وهذه الصفات لا يكتسبها الإنسان إلاّ عبر فحص الذات ومحاسبة النفس والانسحاب من الحياة الاجتماعية تدريجياً والصمت والتفكير في الله دوماً وترك كلّ ما يعكّر ذلك التفكير من رغبات جسدية أو نقاشات عقلية.
ولا شكّ أنّ زعماء الصوفية الأوائل كـ (أبو يزيد) الملقّب بـ (بايازيد البستامي) ، و (الحسين بن منصور الحلاّج) في القرن الخامس الهجري اللذين ادّعيا ارتباطهما كأجزاء في الحقيقة النهائية ، مهّدا الطريق نحو فلسفة الجمال الروحي والاندماج بخالق الوجود. فكان (أبو حامد الغزالي) ، و (فريد الدين العطّار) ، و (ابن العربي) ، و (جلال الدين الرومي) من أهمّ الوجوه الصوفية التي نادت برجوع الطيور إلى قائدها ، وهو تلميح إلى اندماج المتصوّفة (الطيور) بخالق الوجود (القائد).
لقد أهملت الفلسفة الصوفية إطار العقل وجعلت الشعر المعبّر عن حبّ المخلوق للخالق المحور الأساسي في أفكارها ، وليس غريباً أن نجد معاني الحبّ الصوفي في أشعار الشاعر الإيراني (حافظ) ، وإلى حدّ أقلّ في أشعار (عمر الخيام) في مدلولات العنب وما ينتجه من خمر ولذّة تشابه لذّة المتصوّفة عند اندماجهم بواجب الوجود.
وتلك العقبات الفكرية أو العقائدية لم تستطع ثني علم الأُصول عن الوصول إلى أهدافه في الإدراك العقلي ، ولم تستطع الوقوف بوجه جعل العقل حجّة معتبرة متطابقة مع الحجج الشرعية ، بل إنّ تلك العقبات في الواقع حفّزت علماء الشيعة الإمامية على البحث والتفتيش عن الأدلّة العقلية بعمق لم يسبق له مثيل في التاريخ الإسلامي.