بين الحكمين العقلي والشرعي من أهمّ محاور ذلك التطوّر الأُصولي الذي نحن بصدده.
العقل العملي والعقل النظري :
فقد كان من ثمرات الصراع المرير بين الحركة الأخبارية والمدرسة الأُصولية هو التعمّق في بحوث (الدليل العقلي) وتوسيع دائرته ، وبمعنى آخر ، إنّ السؤال الذي كان يُطرح بإلحاح في تلك الفترة هو : كيف يمكننا تفسير طبيعة الملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي؟
في معرض الإجابة عن هذا السؤال كان الرأي السائد يميل إلى أنّ العقل النظري لا يدرك الحكم الشرعي مباشرة عن أىّ طريق غير الطريق السمعي ، وهو البيان الصادر من الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه من بعده عليهمالسلام ، فالعقل النظري لا يستطيع إدراك ذلك الحكم الشرعي ، ولكن من شأن العقل العملي إدراك حُسن الأفعال وقُبحها كحُسن العدل وقُبح الظلم ، وحُسن التكسّب المشروع وقُبح السرقة ، وهذا الإدراك من شؤون العقل العملي.
وفي هذا الصدد كان الفاضل التوني رائداً في نقاش الملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي ، فقد قسّم الأدلّة العقلية إلى سبعة أقسام هي : المستقلاّت العقلية واستصحاب حال العقل واصالة النفي (البراءة العقلية) والأخذ بالأقلّ عند فقدان الدليل على الأكثر والتمسك بعدم الدليل واستصحاب حال الشرع والتلازم بين الحكمين.
ومن اللافت للنظر أنّه أدرج مباحث (مقدّمة الواجب والضدّ والمنطوق غير الصريح والمفاهيم والقياس) في باب الأدلّة العقلية ، بينما