العقلي والشرعي) ، ومن تلك الزاوية نرى دور هذا العصر العلمي في التمهيد لعصر آخر أكثر أهمّية وهو عصر نضوج الحجج والأدلّة الشرعية والعقلية الذي قاده الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري.
ويمكننا القول بأنّ أهمّ الثمار العملية التي لمسناها من خلال مناقشة (الملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي) هو البحث في قاعدة (نفي الضرر) من قبل المحقّق القمّي (ت ١٢٣١ هـ) في قوانينه ، فهذه القاعدة العظيمة ربّما تعكس واحدة من أهمّ ملازمات الحكمين العقلي والشرعي ، فإنّها وضعت منارات لمناقشة قضايا الحقوق والواجبات في المجتمع الإسلامي زمن الغيبة.
وبطبيعة الحال فإنّ تطبيق (الدليل العقلي) أو حكم العقل على موارد الشكّ في التكليف كانت من أعظم استنباطات الوحيد البهبهاني ، فقد استنبط من ذلك الحكم العقلي قاعدة (قُبح العقاب بلا بيان) ، واستدلّ بتلك القاعدة في كلّ مورد من موارد الشكّ في التكليف ، أما في مورد الشكّ في المكلّف به فقد استنبط لها من حكم العقل قاعدة (الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني) ، وقد كان هذا الاستنباط أساساً للتمييز بين موارد البراءة العقلية والاحتياط العقلي ..
وقد كان من رأي الوحيد البهبهاني أنّ وظيفة المكلّف عند الشك في التكليف هو الأخذ بالبراءة ولكن على أساس الشرع والعقل ، لا على أساس الشرع فقط ، فـ (البراءة العقلية) المقابلة لـ (البراءة الشرعية) متلازمتان في نفس الموارد ، وبمعنى آخر أنّ البراءة التي تجري بحكم العقل عند الشكّ في التكليف هي نفس البراءة التي تجري بموجب الأدلّة الشرعية التي تحكم بالبراءة عند الشكّ في التكليف.