فيها أحد الدليلين ناظراً إلى مفاد الدليل الآخر ، فخبر الثقة يرفع جهل المكلّف بالحكم الواقعي تعبّداً وإن لم يرفعه تكويناً ، ولكن الشارع أتمّ الكشف الذاتي الناقص الموجود في هذه الأمارة ، فهنا يثبت الدليل الاجتهادي ويتقدّم على الدليل الفقاهتي ، ولا تعارض بين الدليلين (أي الاجتهادي والفقاهتي) المترتّبتين طوليّاً.
ولا شكّ أنّ نظريّة الشيخ الأنصاري قدسسره ونظريّات الفقهاء الذين سبقوه تدفعنا نحو التفتيش عن منهجية (علم الأُصول) ، فكيف استطاع (علم أصول الفقه) الوصول إلى تلك الدقّة العقلية من دون الانجرار كلّياً إلى خنادق علم الفلسفة أو علوم اللغة أو علم الكلام؟ وكيف استطاعت اتجاهات المنهج العلمي الأُصولي في التاريخ ، الخروج بصيغة متوافقة للمباحث الأُصولية؟ وكيف استطاع علم الأُصول التمييز بين (الأصل العملي) وبين بقية القوانين الحاكمة على التفكير الإنساني؟ سنحاول الإجابة عن كلّ ذلك في بحوث الفصل الخامس حول تشخيص المنهج العلمي للأُصول.