الفصل الخامس
تشخيص المنهج العلمي للأُصول
مقدمة:
إنّ أهمّ ما ميّز النشاط العلمي الديني في الحوزة العلمية الإمامية هو اهتمامها المتميّز بتنمية الفكر الأُصولي إلى مرحلة متطوّرة باعتبار أنّ مدار الاجتهاد هو قابلية الفقيه على التمكّن من إرجاع الفروع إلى الأُصول ، وهي ما تدور عليه مباني علم الأُصول.
ولا شكّ أنّ علم أصول الفقه لم يكن ليتطوّر بهذا الشكل الرائع عند فقهاء الشيعة خلال القرون الماضية ما لم يتسلّح أولئك العلماء بمنهج علمي واضح المعالم حدّد لهم أهدافهم في الاستنباط الشرعي للأحكام ؛ فالمنهج العلمي يشير إلى نوعية الخطوات التي تُتّخذ ـ عبـر نظام ذي ضوابط ـ للوصول إلى هدف استنباط الأحكام الشرعية ـ تكليفية كانت أو وضعية ـ من أدلّتها المقرّرة.
ولا شكّ أنّ طبيعة الخطوات المُتّخذة والتفاصيل المتعلّقة بها تعتمد على تلك الغاية وعلى الطرق المُستخدمة في الوصول إليها ، فالتحليل النقدي الذي صاحب عملية تطوّر علم الأُصول أدّى مع مرور الزمن إلى تغيير في التركيبة العامّة للنظرية الأُصولية ، حيث نرى الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) يسرد في كتابه الأُصولي (عُدّة الأُصول) تصوّراً ابتدائياً عن علم أصول الفقه ، فيقول في مقدّمة كتابه : «سألتم أيّدكم الله إملاء مختصر في أصول الفقه يحيط بجميع أبوابه على سبيل الإيجاز والاختصار على ما