تقتضيه مذاهبنا وتوجبه أصولنا ، فإنّ من صنّف في هذا الباب سلك كلّ قوم منهم المسلك الذي اقتضاه أصولهم ولم يعهد من أصحابنا لأحد في هذا المعنى إلاّ ما ذكره شيخنا أبو عبد الله رحمهالله في المختصر الذي له في أصول الفقه ولم يستقصه وشذّ منه أشياء يحتاج إلى استدراكها وتحريرات غير ما حرّرها ، وإنّ سيّدنا الأجلّ المرتضى ـ أدام علوّه ـ وإن أكثر في أماليه وما يقرأ عليه شرح ذلك ، فلم يصنّف في هذا المعنى شيئاً يُرجع إليه ويجعل ظهراً يستند إليه ، وقلتم : إنّ هذا فنّ من العلم لا بدّ من شدّة الاهتمام به ، لأنّ الشريعة كلّها مبنيّة عليه ولا يتمّ العلم بشي منها دون إحكام أصولها ، ومن لم يُحكم أصولها فإنّما يكون حاكياً ومعتاداً ولا يكون عالمـاً» (١) ..
وبعد تسعة قرون مـن وفـاة الشيخ الطوسي رضياللهعنه تبلورت التركيبة العامّة للنظرية الأُصولية بأوضح صورها ، فيأتي الشيخ محمّـد كاظم الخراساني (ت ١٣٢٩ هـ) ليحدّد معالم النظرية الأُصولية وأهدافها ، فأصبحت أصول الفقه (صناعة يُعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام ، أو التي ينتهي إليها [الفقيه] في مقام العمل) (٢) ، وهذا الهدف الواضح للنظرية الأُصولية الحديثة جاء ثمرة من ثمرات الجهد المتّصل على مدى تلك القرون الماضية في البحث عن منهج علمي متكامل لنظرية القواعد المشتركة في استنباط الحكم الشرعي.
الطريقة التحليلية في علم الأُصول :
فذلك المنهج العلمي يتبع الطريقة التحليلية لا الوصفية ، فهو لا
__________________
(١) عُدّة الأُصول ١ / ٢.
(٢) كفاية الأُصول ١ / ٢٣.