الواقع ـ تقوم مقام القانون الأخلاقي والنظرية الإلزامية ، فهي ، مع كونها لا تُكره الفرد على التنفيذ ، إلاّ أنّها تلزمه إلزاماً شرعياً وأخلاقياً بالامتثال ، فالأمر ـ على سبيل المثال ـ صورة من صور البُعد الإلزامي ، وإذا قال الآمر : افعل مثلاً ، فقد أراد إيقاع الفعل وصدوره ، فالوجوب هنا يتبادر بدون قرينة لأنّه أشدّ الأقسام طلباً وحثّاً ، على عكس الاستحباب أو الندب فهو أقلّ المراتب وأخفّها في الحثِّ ، ولذلك فقد يحتاج إلى قرينة حتى ينطبق لفظ الأمر المستحبّ على معناه ، فيكون الإلزام الأخلاقي هنا دائراً بين قطبي الوجوب والاستحباب ، ولا شكّ أنّ هناك دلالة عقلية مفادها أنّ لصيغة الأمر مهمّة فورية عرفية ، بتقريب أنّ المولى إذا قال للعبد : افعل الفعل الفلاني ، فلم يفعل زماناً كان للمولى أن يقول له : لِمَ لمْ تفعل ما أمرتك به؟ وهذا هو مقصودنا بالبُعد الإلزامي الفوري ، فهو إلزام وأمر بصيغة من صيغ الطلب التي يحبّ الخالق عزّ وجلّ من عبده المخلوق تنفيذها في صيغة زمنية محدّدة.
الانجازات المنتظَرة في علم الأُصول :
وبعد ان شخّصنا المنهج العلمي لعلم الأُصول ، نستطيع القول الآن : إنّ الانجازات التي حقّقها فقهاؤنا الأعلام (قدّس الله أسرارهم) على صعيد البناء التحتي والمنهجي لعلم الأُصول تنتظر انجازات أخر على صعيد تطبيق نظريّات (القطع) و (الأمارات) و (الأُصول العملية) على الجزئيات الفقهية ؛ فإنّ حجّية الدليل الشرعي والعقلي ينبغي ان تدفعنا للقول ، تلميحاً أو تصريحاً ، بضرورة بناء النظرية الاجتماعية الفقهية التي نأمل ان تقدّم حلولاً لمشاكل العالَم المعاصر بما فيه من تعقيدات نفسية وفكرية وفنّية ، ونلمس من توجّهات فقهائنا المعاصرين الأعلام بوادر اختمار فكرة صياغة النظرية