[كـيفـيّـة جمع القرآن]
إنّ موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي يتذرّع بها القائلون بالتحريف إلى إثبات أنّ في القرآن تحريفاً وتغيـيراً ، وأنّ كـيفـيّـة جمعه مسـتلزمة ـ في العادة ـ لوقوع هذا التحريف والتغيـير فيه.
فكان من الضروري أن يعقد هذا البحث إكمالا لصيانة القرآن من التحريف ، وتنزيهه عن [أيّ] (١) نقص أو أيّ تغيـير.
إنّ مصدر هذه الشـبهة هو زعمهم بأنّ جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قُتِل سـبعون رجلا من القـرّاء في بئر معونة (٢) ، وأربعمئة نفر
__________________
(١) أضفناها لتوحيـد النسـق.
(٢) بئر مَعُونة ـ بالنون ـ ؛ قال ابن إسـحاق : بئر معونة بين أرض بني عامر وحَـرَّة بني سُلَيم ، وقال : كِـلا البلدين منها قريب ، إلاّ أنّها إلى حرّة بني سُليم أقرب ، وقيل : بئر معونة بين جبال يقال لها : أُبلى ، في طريق المُصعِد من المدينة إلى مكّة ، وهي لبني سُليم.
انظر : معجم البلدان ١ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ رقم ١٢٣٥.
ومجمل القصّة كما رواها ابن إسحاق ، بأنّه قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر مُلاعب الأسـنّة ـ وكان سـيد بني عامر بن صعصعة ـ على رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)المدينة ، وأهدى له هديّـة ، فقال له : «يا أبا براء! لا أقبل هديّـة مشـرك» ، فقال : لو بعثت رجلا إلى أهل نجد لأجابوك ؛ قال : «أخشـى عليهم» ، قال : أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك ؛ فبعث المنذر بن عمرو أخا بني سـاعدة في سـبعين رجلا من خيار المسـلمين ، وكان كـتاب رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع حزام بن ملحان خرج به إلى عامر بن الطفيل فلم ينظر عامر إليه ، فقال حزام : يا أهل بئر معونة! إنّي رسـول رسـول الله إليكم ، وإنّي أشـهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّـداً