قال الرشيد : إنْ كنت وصفتني بهذه الصفة ، فإنَّي والله منسلخ منها ، ولو سألتني عمّا كان على يدي من السكاريج(١) بالأمس ما علمت ، والله يا هشام لأقتلنَّك.
قال هشام : أو يكفي الله عزّ وجلّ.
قال الرشيد : عليّ بحدّاد وقيد. فقيّد هشام وغلّه ، وبعث به على السجن.
وجعل الرشيد يجمع أهل الكلام ويقول : هل فيكم أحد يقطع هشاماً حتّى أقتله بحجّة؟
قال أبو الهذيل(٢) : أنا أسأله مسألة أوجب عليه فيها القتل.
وقال يحيى : أنا أوجب عليه القتل بمسألة أسأله أيّاها.
وقالت جارية من جواري الرشيد : أنا أسأله مسألة أوجب عليه فيها القتل.
فأمر الرشيد بإحضار هشام ، وأمر بالسّتر أن يُرفع بينه وبينه.
قال له : يا هشام ، أنت في هذا اليوم ، وهو آخر يوم من أيّامك ، وأوّل يوم من آخرتك ، وهو يوم الفصل ، فإنْ كان الحقُّ معك ولك خلّيت سبيلك ، وإنْ كان الحقّ لنا ومعنا أبحتُ دمك.
__________________
(١) السكاريج. واحدها سُكرجة ، وتجمع على سُكرجات : إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم ؛ وهي فارسية ، وأكثر ما توضع فيها الكوامخ ونحوها. النهاية في غريب الحديث ٢ / ٣٨٤ ، لسان العرب ٢ / ٢٩٩.
(٢) أبو الهذيل العلاّف (١٣٥ ـ ٢٣٥ هـ) ، هو : محمّد بن محمّد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، مولى عبدالقيس ، وهو من أئمّة المعتزلة ، ولد في البصرة واشتهر بعلم الكلام ، له مقالات في الاعتزال ، ومجالس ، ومناظرات ، كُفّ بصره في آخر عمره ، وتوفّي بسامرّاء. له كتب كثيرة. الأعلام ٧ / ١٣١.