أحد عشر قرناً على انتهاء عصر النصّ ، من الاطمئنان على صحّة الروايات التي وردتنا من يد إلى يد خلال تلك الحقبة الطويلة من الزمن ، وطالما كان الابتعاد عن زمن النصّ كبيراً ، كان توثيق رجال الرواية صعباً. فهناك من وُثِقَ بهم واعتُمِدَ عليهم في النقل ، وهناك من طُعن فيهم ولم يعتمد عليهم ، وهناك من لم يعلم حالهم ، وهم المجاهيل الذين لا بدّ من النظر في أمرهم من حيث التوثيق أو عدمه.
أ ـ البعد الاجتماعي :
ونتناول هنا شخصية الراوي ، فشخصية الراوي مهمّة في نقل الحديث ، والصدق والكذب صفتان تطرءان على الإنسان ، تبعاً للمصالح والميول. وقد تنبّأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتغيّر المصالح والميول ، فتتغيّر عندها طبيعة النقل ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ستكثر بعدي القالة علىَّ»(١).
ولا شكّ أنّ البحر الاجتماعي تتلاطم على سطحه الكثير من المفاهيم والمصالح المتضاربة ، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليهالسلام ، عندما سئل عن طبيعة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأجاب : «إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعامّاً وخاصّاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً. وقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عهده ، حتّى قام خطيباً فقال : أيّها الناس ، قد كثرت عليّ الكذّابة. فمن كُذِبَ علىّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار. ثمّ كذب عليه من بعده ...»(٢).
فكان أبو هريرة الدوسي «أكذب الناس على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» ، كما
__________________
(١) المعتبر ١ / ٢٩ المقدمة.
(٢) أُصول الكافي ١ / ٥٠ ح ١ باب اختلاف الحديث.