الميّت الذي أعطاه الله روحا يحييه بها ، ثم أعطاه نورا يمشي به في الناس ، والمشي في الناس كناية عن استيفاء مزايا الحياة الشخصية والإجتماعية ، حيث لا يتحصّل شيء منها للإنسان إلّا مع المشاركة للناس في اجتماعهم ، حتى يكون أحدهم ، ويعيش كما يعيشون جمعا لا فرادى ، وذلك إنّما يتمّ بالنور ، فالبصير إنّما تتمّ له الحياة ببصره ، والأعمى إنّما تتمّ له الحياة ببصر غيره ، ولو فرض إنسان لا بصر له ولا يستفيد ببصر غيره ، لم يبق له إلّا الهلاك ، ولم ينفعه بقية الإحساسات التي غير البصر ، ومثل الكافر مثل من هو فاقد للحياة والنور جميعا ، وقد بيّنه سبحانه بقوله : (فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) ، فلا يشعر بنفسه إذ لا حياة له ولا بمزايا حياته إذ لا نور له ، كما قال سبحانه :
(إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١).
فالمؤمن في نور على نور ، والكافر في ظلمة على ظلمة ، فهو في الظلمات والجمع للتكثير ، وقد قيد الظلمات بقوله : (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) ؛ إذ فرض الخروج سابقا على الظلمة يعطي بصيرة ما قبله ربّما يدبّر لنفسه فيها بعض التدبير ، وفرض الخروج لا حقا يعطي رجاءا ما يوجب قوة في النفس ومقاومة وصبرا على شدة ما ابتلي به نفي فرض الخروج بعض الإنجلاء ، وأمّا من ليس له إلّا الظلمة فليس له إلّا الهلاك ، ويحتمل أن يكون إسقاط المبتدأ في قوله : (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) ، والتقدير : هو في الظلمات للإشارة إلى ذلك.
فهذا ما مثّل الله سبحانه به حال الفريقين وقد بيّنا في أوائل الكتاب أن لهذه الإستعارات في كلامه سبحانه سمة حقيقة ، وبذلك يظهر :
__________________
(١). الزمر (٣٩) : ١٥ ؛ الشورى (٤٢) : ٤٥.