أقول : والروايات في هذا المعنى كثيرة ، وقد مرّ إشباع القول فيه في تفسير الفاتحة.
قوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
ختم هذه الآية الثالثة بذلك ، وختم الثانية بقوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، وختم الأولى بقوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، وذلك لأنّ الذي تشتمل عليه الآية الأولى من الأحكام وهي النهي عن الشرك وإحسان الوالدين ، وحرمة قتل الأولاد والفواحش ، وقتل النفس ممّا يحكم به صريح العقل من غير استخدام مقدمة تحتاج إلى فكر ، فالمخالفة لها خروج عن طور العقل ومادته الإنسانية ، فلذلك ذيّل الحكم بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
والذي تشتمل عليه الآية الثانية من الأحكام وهي حرمة التصرّف في مال إليتيم وما تتلوها ليست بتلك المثابة من الصراحة ، لكنها مع ذلك نتيجة مقدّمات عقلية صحيحة حقّة تظهر للأنسان بالتأمل والتنبّه وهو التذكّر فإطاعتها توجب ارتقاء الإنسان إلى مرتبة التذكّر فذيّلها بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
والآية الثالثة تشتمل على ما لا يكفي فيه صريح العقل ولا مقدّماته النظرية ، بل سلوك لما جعله الله من سبيله وصراطه تسليما محضا وتبعيّة خالصة ، ونتيجته التقوى التي هي باب كرامة الله ورحمته وكلّ خير يرجى من قبله سبحانه ، فذيلّها بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وجيء في الجميع بلفظ الوصية وهي الأمر بحفظ ما يهمّ حفظه ويكون نخبة من بين عدة إلى كثرة ، ولمّا كانت المحرمات كثيرة والتي لا مناص عنه في كلّ حين وزمان وفي جميع الشرائع هي هذه [المحرمات] المذكورة.