المخاطبة شفاها ، مع الرحمة المقتضية لعدم تركهم وأنفسهم وبذل الشفقة عليهم ، فينتج الخطاب بالواسطة.
وابتدأ بالأمر بالسير والنظر والإعتبار بعاقبة التكذيب لتنبيه السامع بما في هذه البيانات من الأهميّة ، كما أنّ عطف قوله : (ثُمَّ انْظُرُوا) ب : (ثُمَ) لذلك.
قوله : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
الآيتان بمنزلة الشرح لقوله في أول السورة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (١) ، ثم قوله : (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) استدلال بالملك ، فله كلّ ما في العالم من كلّ ما يصدق عليه كلمة «ما» من ذات أو صفة أو غير ذلك ، ولا ريب أنّ هذا الملك غير الملك الدائر بيننا في ظرف الإجتماع والمدنية القابل للنقل والإنتقال ، بل هو قيام الأشياء به سبحانه بحيث يكون له التصرف فيما شاء منها كيفما شاء ، غير أنّه سبحانه اختار الرحمة فلا يتصرّف إلّا بالرحمة ، وهو إفاضة الشيء ما يطلبه ويستحقه ويسأله ، فلا جرم يجزي المحسن بإحسانه جزاءا حسنا والمسيء بإساءته جزاءا وفاقا ، وهذا المعنى هو المقتضى لتذئيل قوله : (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، بقوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ، ثمّ تذئيله بقوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ).
وقوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)
كأنّه مبتدأ لخبر محذوف يدلّ عليه قوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ، ويتفرّع
__________________
(١). الأنعام (٦) : ١.