وقوله : (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ)
الغيّ : خلاف الرشد ، كالضلال خلاف الهدى ، والفرق بين الغيّ والضلال أنّ الضلال فقد المقصد مع قصده ، والغيّ فقد المقصد مطلقا ، فالغاوي هو الخارج عن الطريق من غير مقصد ، والضالّ هو الخارج عنه الواقع فيما لا يوصل إلى المطلوب ، ولذلك يستعمل الغاوي فيمن لا يقدر على تدبير نفسه في السير ولا يحسن السلوك.
وقوله : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ)
اللهث : شدة تنفس الكلب مع إخراج لسانه لتعب أو عطش ، وهو أخسّ أحواله ، فهو مثل لسوء سريرة الرجل وإنّ سوء السريرة ممّا لا يؤثّر فيه التعرّض وعدمه فهو مؤثّر لا محالة ، والآيتان من جملة آيات الميثاق تدلّ على أنّ السعادة والشقاء راجعتان إلى السريرة ومرحلة الروح.
وقد عرفت في ذيل قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (١) ، إنّ ذلك كلّه راجع إلى الطينة والميثاق فارجع.
قوله سبحانه : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ)
الذرء : الخلق ، والآية تدل على أنّ النار غاية لخلق كثير من الثقلين في بدئه ، فموقعها قبل موقع الميثاق ، فهي من آيات الطينة كالآيتين السابقتين عقّب بها جميعا آيات الميثاق للإتصال الذي بين بدء الخلق وأخذ الميثاق ، ويستنتج من جميع الآيات الستّ أنّ الله سبحانه خلق الخلق حين خلقهم صنفين : سعيد إلى
__________________
(١). الأعراف (٧) : ٢٩.