ملكه ، ولا ينافي ذلك تعليل أفعاله بالمصالح والخيرات ، فارجع.
قوله سبحانه : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها)
نفي التفقه مع إثبات القلوب ، ونفي الإبصار مع إثبات الأبصار ، ونفي السمع مع إثبات الآذان ليس من المجاز بمعنى نفي الكمال ، بل يفسره قوله سبحانه : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (١) ، فالمراد نفي سنخ منها وإثبات سنخ آخر ، وليس من قبيل نفي نوع وإثبات نوع آخر ، بل نفي الباطن والحقيقة واثبات الظاهر كما يشير إليه قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا* ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (٢) ، وقد قال تعالى أيضا : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) (٣).
فالحياة الدنيا حياة وهميّة مستقرّة على حياة حقيقيّة هي باطنها وهي الحياة الآخرة ، والعلم المتعلّق بهذه الحياة الوهميّة ليس علما حقيقيا بل علم ظاهري وهميّ مثل علوم الأنعام وإحساساتها.
ومن هنا يظهر أنّ قوله تعالى في ذيل الآية : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) ، تفسير لهذا النفي والإثبات.
وقوله : (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ)
في الحصر اشارة إلى التحديد ، وإن الغفلة حدّها أن يكون للإنسان قلب لا يفقه
__________________
(١). الروم (٣٠) : ٦ ـ ٧.
(٢). النجم (٥٣) : ٢٩ ـ ٣٠.
(٣). العنكبوت (٢٩) : ٦٤.