(وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) (١) ، مع كونه متعدّيا ، (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) كأنّه عطف على مقدّر وهو مصاديق القهر ، كأنّه قيل : وهو القاهر يفعل كذا وكذا ، (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (٢) وقوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) (٣).
وإذا بلغ الكلام هذا المبلغ استأنس الخطاب وقرب المتكلم من المخاطب ، فناسب أن يعرّف نفسه وقد كان غير معروف فقال : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) ، فأخذ لنفسه مقام التكلّم ليعرف المخاطب أنّ المتكلم هو هو ، (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) ولا يقصّرون.
(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) ، بدل التكلم إلى الغيبة ثانيا ، لأنّ المرجع إليه هو الله لألوهيته وليأخذ الوصف ، وهو قوله : (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ، وإذا كان سبحانه هو الله العالم بكل شيء القاهر فوق عباده فهو المولى الحق ، فله كلّ حكم ، ولذا عقّبه بقوله : (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) ، وإذا كان له كلّ حكم وهو أسرع الحاسبين لا يشغله شأن عن شأن.
وعند هذا تمّ بيان قوله سبحانه : (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) ، فالحكم فيما يستعجلون به من الآية : (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) يعلم متى يستحقون وكيف يستحقون نزول الآية والعذاب ، فالآيات في الإلتفات من الغيبة إلى الخطاب في طريق ، وأيضا من الغيبة إلى التكلم ، ثم إلى الغيبة في طريق ، نظير قوله سبحانه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ
__________________
(١). يوسف (١٢) : ٢١.
(٢). الحديد (٥٧) : ١٨.
(٣). آل عمران (٣) : ١٤٠.