فيهم ما قال : والله سبحانه حيث ذكر الصحابة في القرآن بخير ، استدرك في كلامه بما يشعر بالقدح في عموم الكلام ، كقوله سبحانه : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) إلى أن قال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) ، (١) فتراه سبحانه يصفهم بالجميل ، حتّى إذا وعدهم بالسعادة وحسن الخاتمة ، وعد بعضهم دون جميعهم ، وكقوله في قصّة بدر :
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) (٢) الآية من سورة الأنفال ، وقد مرّ الكلام فيها.
وجمع منهم كانوا بالمدينة يتظاهرون بالإسلام كعبد الله بن ابيّ وأترابه دفعا للتهمة وحذرا من السياسة لا يشاركون في الشدائد مع المسلمين إلّا بمقدار ، وربما كان المسلمون يعرفونهم ولا يتعرّضون بهم إرفاقا.
ومن هنا صحّ لنا أن نبحث عن حال الصحابة ونوجّه إلى كلّ واحد منهم القدح أو المدح على حسب ما يقضي به المأثور المضبوط من حاله وسيرته ، ولا نحسن الظنّ بكلّ من تسمّى باسم الصحابي مع ما يضبطه التاريخ والرواية من مختلف أحوالهم ، ولا نصغي بعموم ما رووه لأنفسهم عن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ أنّه قال : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ، (٣) الحديث.
على أنّهم أنفسهم لم يعملوا بعموم أمثال هذه الأحاديث ، ولم يضعوا كلّ صحابيّ موضع القبول والرضا بشهادة التاريخ ، فقد امتلأت الكتب وشحنت
__________________
(١). الفتح (٤٨) : ٢٩.
(٢). الأنفال (٨) : ٤٩.
(٣). إرشاد القلوب ٢ : ٣٣٤ ؛ الصراط المستقيم ١ : ٢٧٢ ؛ ٢ : ٢١.