وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) و (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ).
فالكلام مسوق لبيان ظهور فسقهم ووضوح تخلّفهم ، وأنّهم جعلوا إذن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ ذريعة للتخلّف بعد ما وجدوه يأذن لمن استأذنه ، ولو لم يأذن لم ينفكّوا عن التخلّف لكونهم لم يبنوا على الخروج ، وهذا المسلك من العتاب شائع في الألسن.
وفي العيون عن الرضا ـ عليهالسلام ـ فيما أجاب عن سؤال المأمون في عصمة الأنبياء قال ـ عليهالسلام ـ : هذا ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله بذلك نبيّه وأراد (١) امّته. (٢)
أقول : وممّا مرّ يظهر أن لا وجه لعدّ الآية ممّا يثبت لرسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ جناية في إذنه كما ذكره بعضهم ، وحاشا مقام الأنبياء وخاصّة سيّدهم وخاتمهم أن تطرأ ساحتهم جناية أو خيانة ، وكذا ما ذكره بعضهم أيضا : أنّ المورد من باب ترك الأولى المجوّز في الأنبياء غير المنافي لعصمتهم ، فكان الأولى أن لا يأذن لهم حتّى يظهر للناس نفاقهم وتخلّفهم.
وذلك لأنّ الكلام ليس مسوقا للعتاب من حيث إنّ إذنه ـ صلىاللهعليهوآله ـ أوجب لخفاء أمرهم والستر عليهم ، بل من حيث إنّه لو كان لم يأذن تميّز عنده الصادق من الكاذب ، كما قال تعالى : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ)، ورسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ كان يعرفهم
__________________
(١). في المصدر : «أراد به»
(٢). عيون أخبار الرضا ـ عليهالسلام ـ ١ : ٢٠٢ ، الحديث : ١٥.