ثم حذّر من الشّحّ ، فقال :
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨))
قلت : يقال : وعدته خيرا ووعدته شرا ، هذا إن ذكر الخير أو الشر ، وأما إذا لم يذكر فيقال فى الخير : وعدته ، وفى الشر : أو عدته ، قال الشاعر :
وإنّى وإن أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادى ومنجز موعدى (١) |
و (الفحشاء) هنا : البخل والشح.
يقول الحق جل جلاله : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ) أي : يخوفكم (الْفَقْرَ) بسبب الإنفاق ، ويقول فى وسوسته : إن أعطيت مالك بقيت فقيرا تتكفف الناس ، (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي : ويأمركم بالبخل والشح ، والعرب تسمى البخيل فاحشا ، وفى الحديث : «البخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، بعيد من الجنة قريب من النار. والسخي قريب من الله. قريب من الناس ، قريب من الجنة ، بعيد من النار. ولجاهل سخىّ أحبّ إلى الله من عابد بخيل».
وفى حديث آخر : «إنّ الله يأخذ بيد السخىّ كلما عثر». (وَاللهُ يَعِدُكُمْ) فى الإنفاق (مَغْفِرَةً مِنْهُ) لذنوبكم ، وسترا لعيوبكم ، (وَفَضْلاً) أي : خلفا أفضل مما أنفقتم فى الدنيا والآخرة ، (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) ، (وَاللهُ واسِعٌ) الفضل والعطاء ، (عَلِيمٌ) بما أنفقتم ، ولما ذا أنفقتم ، وفيما أخلصتم ، لا يخفى عليه شىء من أموركم.
الإشارة : إذا توجه المريد إلى الله تعالى ، وأراد سلوك طريق التجريد والزهد والانقطاع إلى الله تعالى ، تعرض له الشيطان ، اختبارا منه تعالى وابتلاء ، إذ الحضرة محروسة بالقواطع ؛ ليظهر الصادق فى الطلب من الكاذب ، فيخوفه من الفقر ، ويأمره بالوقوف مع الأسباب والعوائد ، وهى أفحش المعاصي عند الخواص ، إذ الهمة العالية تأنف عن الاشتغال بغير الحضرة الإلهية. والله يعدكم ـ أيها المتوجهون إليه ـ مغفرة لذنوبكم ، وسترا لعيوبكم ، فيغطى وصفكم بوصفه ، ونعتكم بنعته ، فيوصلكم بما منه إليكم من الفضل والجود ، لا بما منكم إليه من المجاهدة والمكابدة ، (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) ، (والله واسع) الجود والإحسان ، (عليم) بمن يستحق الفضل والامتنان.
__________________
(١) البيت لعامر بن طفيل.