(فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) : ناقص العقل مبذرا ، (أَوْ ضَعِيفاً) شيخا مخبلا ، أو صبيا صغيرا ، (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) ، لخرس أو جهل باللغة ، (فَلْيُمْلِلْ) عنه (وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) ، من وصىّ أو وكيل ، (وَاسْتَشْهِدُوا) على معاملتكم (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) المسلمين ، (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ) ، بأن تعذر إحضارهما ، (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) فأكثر ، تقوم مقام رجلين (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) لعلمكم بعدالتهم ، وإنما شرط تعدد النساء لأجل (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) أي : إن ضلت إحداهما الشهادة ، ونسيتها ، ذكرتها الأخرى ؛ لأنها ناقصة عقل ودين.
ثم حذّر الشهود من الامتناع عن تحمل الشهادة أو أدائها ، فقال :
(وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢))
قلت : السّأم هو : الملل ، و (لا يضارّ) يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل ، وأصله : يضارر بالكسر ، أو للمفعول ، فيكون الأصح بالفتح.
يقول الحق جل جلاله : ولا يمتنع (الشُّهَداءِ) من تحمل الشهادة إذا دعوا إليها ، حيث تعيّنت عليهم ، وسموا شهداء باعتبار المآل ، وإنما تتعين إذا لم يوجد غيرهم. أو : من أدائها حيث لا ضرر ، (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ) أي : ولا تملوا من كتابة الحق إذا تكرر (صَغِيراً) كان (أَوْ كَبِيراً) ، فقيدوا ذلك (إِلى أَجَلِهِ) ، (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) أي : ذلك الكتاب والتقييد للحقوق ، أكثر قسطا عند الله ؛ لأنه أدفع للنزاع وأحفظ للحقوق ، (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) أي : أثبت لها وأعون على أدائها ، (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أي : وأقرب لعدم الريب والشك فى جنس الدين وقدره وأجله ، لأنه إذا كتب جنسه وقدره وأجله لم يبق لأحد شك فى ذلك ، (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) لا أجل فيها ، (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) أي : تتعاملون فيها نقدا ، (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) ؛ لقلة النزاع فيها ، (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) مطلقا بدين أو نقد ؛ لأنه أحوط ، خوفا من الإنكار ، والأوامر فى هذه الآية للاستحباب عند الأكثر.