وقوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ، قيل : هو الحب لله ، فلا يسأل العبد من مولاه من حبه إلا ما يطيقه ، وتأمل قضية الرجل الذي سأل سيدنا موسى عليهالسلام أن يرزقه الله حبه ، فلما سأل ربه موسى عليهالسلام هام ذلك الرجل ، وشق ثيابه ، وتمزقت أوصاله حتى مات. فناجى موسى رضى الله عنه ربه فى شأنه ، فقال : يا موسى ، ألف رجل كلهم سألونى ما سأل ذلك الرجل ، فقسمت جزءا من محبتى بينهم ، فنابه ذلك الجزء. أو كما قال سبحانه.
وقال بعض الصالحين : حضرت مجلس ذى النون ، فى فسطاط مصر ، فحزرت (١) فى مجلسه سبعين ألفا ، فتلكم ذلك اليوم فى محبته تعالى فمات أحد عشر رجلا فى المجلس ، فصاح رجل من المريدين فقال : يا أبا الفيض ، ذكرت محبة الله تعالى فاذكر محبة المخلوقين ، فتأوه ذو النون تأوها شديدا ، ومد يده إلى قميصه ، وشقه اثنتين ، وقال : آه! غلقت رهونهم ، واستعبرت عيونهم ، وحالفوا السّهاد ، وفارقوا الرّقاد ، فليلهم طويل ، ونومهم قليل ، أحزانهم لا تنفذ. وهموهم لا تفقد ، أمورهم عسيرة ، ودموعهم غزيرة ، باكية عيونهم ، قريحة جفونهم ، عاداهم الزمان والأهل والجيران.
قلت : هذه حالة العباد والزهاد ، أولى الجد والاجتهاد ، غلب عليهم الخوف المزعج ، أو الشوق المقلق ، وأما العارفون الواصلون ؛ فقد زال عنهم هذا التعب ، وأفضوا إلى الراحة بعد النصب ، قد وصلوا إلى مشاهدة الحبيب ، ومناجاة القريب ، فعبادتهم قلبية ، وأعمالهم باطنية ، بين فكرة ونظرة ، مع العكوف فى الحضرة ، قد سكن شوقهم وزال قلقهم ، قد شربوا ورووا ، وسكروا وصحوا ، فلا تحركهم الأحوال ، ولا تهيجهم الأقوال ، بل هم كالجبال الرواسي ، نفعنا الله بذكرهم ، وجعلنا من حزبهم. آمين.
قوله تعالى : (واعف عنا) ، قال الورتجبي : أي : (واعف عنا) قلة المعرفة بك ، (واغفر لنا) التقصير فى عبادتك ، (وارحمنا) بمواصلتك ومشاهدتك. ه. وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين.
__________________
(١) حزر الشيء حزرا : قدره بالتخمين فهو حازر.