صُدُورُهُمْ) من العداوة والبغضاء ، (أَكْبَرُ) مما أظهروه ، لأن ظهوره منهم ليس عن روية واختيار ، بل عن غلبة غيظ واضطرار. (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ) أيها المؤمنون (الْآياتِ) الدالة على مجانبة الكافرين وموالاة المؤمنين ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ما يبين لكم.
(ها أَنْتُمْ) يا هؤلاء المخاطبين (تُحِبُّونَهُمْ) لما بينكم من المصاهرة والصداقة ، (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) لما بينكم من مخالفة الدين ، أو تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر ، وأنتم (تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ) أي : بجنس الكتب ، (كله) أي : بالكتب كلها ، وهم لا يؤمنون بكتابكم ، فكيف تحبونهم وهم يكذبون كتابكم ورسولكم؟ وهم أيضا ينافقونكم ؛ (إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا) مع أنفسهم (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) لما يرون من ائتلاف المؤمنين ، ولم يجدوا سبيلا إلى التشفي فيكم ، وهذه كناية عن شدة حقدهم ، وإن لم يكن ثمّ عض فى الخارج.
قال لهم الحق جل جلاله : (قُلْ) لهم يا محمد : (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) ؛ فإنما ضرر غيظكم عليكم ، أو دوموا على غيظكم حتى تموتوا عليه ، فإن مادة الإسلام لا تزال تنمو حتى تهلكوا ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بحقيقة ما فى قلوبكم من البغضاء والحنق (١) ، أو بما فى القلوب من خير أو شر. هو من مقول الرسول لهم ، أو من كلام الله تعالى ، استئناف ، أي : لا تعجب من اطلاعى إياك على أسرارهم ، فإنى عليم بالأخفى من ضمائرهم.
ومن فرط عداوتهم أنهم (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ) كنصر وغنيمة (تَسُؤْهُمْ) أي : تحزنهم ، (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) كهزيمة أو قتل أو إصابة عدو منكم أو اختلاف بينكم ، (يَفْرَحُوا بِها ، وَإِنْ تَصْبِرُوا) على عداوتهم وأذاهم ، وتخافوا ربكم ، (وَتَتَّقُوا) ما نهاكم عنه ، (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) ، بفضل الله وحفظه ، الموعود للصابرين والمتقين ، (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ، (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا). ومن كان الحق معه لا يضره شىء ، (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ؛ لا يخفى عليه ما يعمل أهل الكفر من العداوة والحقد ، فيجازيهم عليه.
الإشارة : لا ينبغى لأهل الخصوصية أن يتخذوا بطانة من دونهم من العامة حتى يطلعوهم على سرهم ، فإن الإطلاع على السر ، ولو كان غير الخصوصية ، كله ضعف فى العقل ووهن فى الرأى ، وفى ذلك يقول القائل :
(من أطلع الناس على سره |
|
استحقّ الكىّ على جبهته) |
وأما سر الربوبية فإفشاؤه لغير أهله حرام ، والعامة مضادون لأهل الخصوصية ، لا يألونهم خبالا فى قلوبهم وتشتيتا لفكرتهم ، إذا صحبوهم يودون أن لو كانوا مثلهم فى العنت وتعب الأسباب ، فإذا ظهر بالفقراء نقص أو خلل
__________________
(١) الحذق : شدة الاغتياظ.