قلت : (بدر) : بئر بين مكة والمدينة ، كانت لرجل اسمه بدر ، فسميت باسم صاحبها ، وقعت فيها الغزوة التي نصر الله فيها رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فسميت الغزوة باسم المكان ، وجملة : (وأنتم أذلة) : حال من الكاف ، و (أذلة) : جمع ذليل ، كأعزة ، جمع عزيز.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ) فى وقعة بدر (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) ليس معكم مراكب ولا كثرة سلاح ، مع قوة عدوكم بالعدة والعدد ، (فَاتَّقُوا اللهَ) واثبتوا مع رسوله ، وانتظروا النصر من الله كما عودكم ، (لَعَلَّكُمْ) تكونون شاكرين ، لما أنعم به عليكم من العز والنصر ، فيزيدكم منه كما وعدكم.
الإشارة : جعل الله سبحانه وتعالى الأشياء كامنة فى أضدادها ، فمن أراد العز والنصر فليتحقق بالذل والمسكنة ، ومن أراد الغنى فليتحقق بالفقر ، ومن أراد الرفعة فليتحقق بالضعة وإسقاط المنزلة ، ومن أراد القوة فليتحقق بالضعف ، وهكذا : [تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه]. فاتقوا الله يا معشر المريدين ، واطلبوا الأشياء فى أضدادها لتظفروا بها ، واشكروا الله على ما أولاكم يزدكم من فضله ونواله.
ثم ذكر كيفية نصره لهم ببدر فقال :
(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥))
قلت : (إذ) : ظرف لنصركم ، إذا قلنا : إن الإمداد يوم بدر فقط ، أو بدل من (إذ غدوت) ، إذا قلنا : كان الإمداد يوم أحد بشرط الصبر ، فلما لم يصبروا لم يقع. والتسويم : التعليم.
يقول الحق جل جلاله : ولقد نصركم الله ببدر حين كنت (تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) حين رأوا كثرة عدوهم وقلة عدتهم وعددهم : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) فى القوة والكثرة ، (أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) فى السحاب؟ (بَلى) يكفيكم كما وعدكم ، (إِنْ تَصْبِرُوا) وتثبتوا (وَتَتَّقُوا) الله (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ) أي : من سرعتهم (هذا) الوقت ، (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) بلا تراخ ولا تأخير ، (مُسَوِّمِينَ) أي : معلّمين بعمائم بيض إلا جبريل ، فإنه كانت عمامته صفراء. أو معلمين أنفسهم أو خيلهم. قيل : كانت مجزوزة الأذناب ، وقيل : كانت بلقا.