فذنبهم قلة معرفتهم لأقدار الحق ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «لو أن الله عذب الملائكة لحق منه ، فقيل : إنهم معصومون ، فقال عليه الصلاة والسلام : من قلة معرفتهم بربهم» (١). ولذلك دعاهم إلى المغفرة. ه. قال فى الحاشية : وقوله : (أثبت بالآية ذنب الكل) ، يعنى : شمول قوله : (يغفر لمن يشاء) من فى السموات الصادق بالملائكة ، وإنما تكون المغفرة بعد ذنب ، ولكنه فى كل أحد على حسبه ، وأما قوله : دعاهم إلى المغفرة ، فكأنه من قوله : (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، وأن الخطاب يعم من فى السموات أيضا ، وقد يتصور فى حق الملائكة الاستناد لظواهر الأمور والاختلاف بينهم والاختصام ، مما هو معرض للخطأ ، وذلك من دواعى المغفرة ، وكذلك القصور عن معرفة كنه جلال الله : نقص لا يخلو منه مخلوق ، لاستحالة الإحاطة به علما ، ولذلك كان الترقي فى المعرفة لا حد له أبدا سرمدا. ه.
ثم ذكر حال أهل اليمين ، فقال :
(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) أي : فعلة بالغة فى الفحش والقبح ، كالزنى ، (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بأى ذنب كان ، أو فعلوا كبيرة أو صغيرة ، أو الفاحشة : ما يتعدى للغير ، وظلم النفس ما يخص ، أو الفاحشة بالفعل ، وظلم النفس بالقول ، (ذَكَرُوا اللهَ) أي : عقابه وغضبه وعرضه الأكبر ، أو (ذَكَرُوا اللهَ) فى أنفسهم أن الله سائلهم عنه ، أو كونه رقيبا عليهم ، أو (ذَكَرُوا اللهَ) باللسان (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) بالندم والتوبة ، (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) أي : لا أحد يغفره إلا الله ، والمراد : وصفه تعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة ، والحث على الاستغفار.
(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) أي : لم يدوموا عليها غير مستغفرين ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ما أصرّ من استغفر ، ولو عاد فى اليوم سبعين مرّة» ، وذلك إذا صحبة الندم ، وقال أيضا : «لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع
__________________
(١) لم أقف عليه. وذكر المتقى الهندي فى الكنز حديث : (لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا لهم من أعمالهم ..» وعزاه لأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن حبان. انظر : (الكنز ١ / ١٣٠ ح ٦١٣).