الإصرار». قال قتادة : إياكم والإصرار ، فإنما هلك المصرون الماضون قدما فى معاصى الله تعالى ، لم يتوبوا حتى أتاهم الموت. ه. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن الإصرار يضر بهم ، أو : وهم يعلمون أن لهم ربا يغفر الذنب ؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من أذنب ذنبا ، وعلم أنّ له ربا يغفر الذنوب ، غفر له وإن لم يستغفر». وفى الحديث القدسي يقول الله تعالى : «من علم أنى ذو قدرة على المغفرة غفرت له ولا أبالى». وفى بعض الكتب المنزلة : «يا ابن آدم ، إنّك ما دعوتنى ورجوتنى لأغفرن لك على ما كان منك ولا أبالى». أو : (وهم يعلمون) أن التوبة تمحق الذنوب.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) ؛ تغطية لذنوبهم ، (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) ، ولا يلزم من إعدادها للتائبين اختصاصهم بها ، كما لا يلزم من إعداد النار للكفار اختصاصهم بها ، ثم مدح أجر التائبين فقال : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ، وانظر هذا الفرق العظيم الذي بين المحسنين وأهل اليمين ، قال فى الآية الأولى : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وقال فى هذه الآية : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ، أهل الآية الأولى من خواص الأحباب ، وأهل هذه يأخذون أجرهم من وراء الباب. وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى عين التحقيق.
الإشارة : أهل مقام الإحسان عملهم قلبى ، كالسخاء والعفو وكظم الغيظ ، وأهل اليمين عملهم بدني ، بين طاعة ومعصية وغفلة ويقظة ، إذا فعلوا فاحشة تابوا واستغفروا ، وإذا فعلوا طاعة فرحوا واستبشروا ، أهل مقام الإحسان غائبون عن رؤية أعمالهم ووجودهم ، وأهل اليمين معتمدون على أعمالهم ، إذا فعلوا طاعة قوى رجاؤهم ، وإذا زلّوا نقص رجاؤهم ، أهل مقام الإحسان فانون عن أنفسهم باقون بربهم ، وأهل اليمين أنفسهم موجودة وأعمالهم لديهم مشهودة ، أهل مقام الإحسان محبوبون ، وأهل اليمين محبّون ، أهل مقام الإحسان فنيت عندهم الرسوم والأشكال ، وبقي فى نظرهم وجود الكبير المتعال ، وأهل اليمين : الأكوان عندهم موجودة ، وشموس المعارف عن قلوبهم مفقودة ، أهل مقام الإحسان يعبدون الله على نعت الشهود والعيان ، وأهل اليمين يعبدون الله من وراء حجاب الدليل والبرهان ، أهل الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان.
واعلم أن لمعرفة الشهود والعيان ثمرات ونتائج ، حصرها بعضهم فى إحدى عشرة خصلة :
الأولى : الحرية ، ومعناها أن يكون العارف فردا لفرد ، من غير أن يكون تحت رق شىء من الموجودات ، لا من أغراض الدنيا ولا من أغراض الآخرة ، فالحرية عبارة عن غاية التصفية والطهارة. قال بعضهم : ليس بحرّ من بقي عليه من تصفية نفسه مقدار فص نواة ، المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
الثانية : الوجود ، وهو الفوز بحقيقة الأشياء فى الأصل ، وهو عبارة عن إدراك مقام تضمحل فيه الرسوم ، بالاستغراق فى الحقيقة الأزلية.