الإشارة : لا ينبغى للأقوياء من أهل اليقين أن يتشبهوا بضعفاء اليقين ، كانوا علماء أو صالحين أو طالحين ، حيث يقولون لإخوانهم إذا سافروا لأرض مخوفة أو بلد الوباء : لو جلسوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ، وما دروا أن الله قدّر الآجال كما قدّر الأرزاق وجميع الشئون والأحوال ، وعيّن لها أوقاتا محدودة فى أزله ، فكل مقدور يبرز فى وقته ، «ما من نفس تبديه ، إلا وله قدر فيك يمضيه» ، فما قدّره فى سابق علمه لا بد أن يكون ، وما لم يقدره لا يكون ، ولا تجلبه حركة ولا سكون. ولله در القائل :
ما لا يقدّر لا يكون بحيلة |
|
أبدا وما هو كائن سيكون |
سيكون ما هو كائن فى وقته |
|
وأخو الجهالة متعب محزون |
يجرى الحريص ولا ينال بحرصه |
|
شيئا ويحظى عاجز ومهين |
فدع الهموم ، تعرّ من أثوابها ، |
|
إن كان عندك بالقضاء يقين |
هوّن عليك وكن بربّك واثقا |
|
فأخو الحقيقة شأنه التّهوين |
وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يتمثل بهذه الأبيات :
فهوّن عليك فإنّ الأمور |
|
بكفّ الإله مقاديرها |
فليس يأتيك مصروفها |
|
ولا عازب عنك مقدورها |
وكل من لم يحقق الإيمان بالقدر لا ينفك عن الحسرة والكدر ، ومن أراد النعيم المقيم فليثلج صدره ببرد الرضا والتسليم ، ومن أراد الروح والريحان فعليه بجنات العرفان ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم رغّب الحق تعالى فى الموت فى الجهاد ، ورجّح الموت مطلقا على الحياة ، فقال :
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨))
قلت : إذا اجتمع القسم والشرط ذكر جواب الأول وأغنى عن الثاني ، فقوله : (لمغفرة) : جواب القسم ، أغنى عن جواب (إن) ، والتقدير : إن قتلتم فى سبيل الله غفر الله لكم ، ثم سد عنه (لمغفرة ..) إلخ ، ومن قرأ : (متم) بكسر الميم ، فهو من : مات يمات ، كهاب يهاب هبت ، وخاف يخاف خفت ، ومن قرأ بالضم : فمن مات يموت ، كقال يقول قلت.