الإشارة : لقد منّ الله على المتوجهين إليه الطالبين لمعرفته ، حيث بعث لهم من يأخذ بأيديهم ، ويطوى مسافة البعد عنهم ، وهم شيوخ التربية ، يتلون عليهم آياته الدالة على كشف الحجاب وفتح الباب ، ويزكيهم من دنس العيوب المانعة لعلم الغيوب ، ثم يزكيهم من درن الحس إلى مشاهدة القرب والأنس ، ويعلمهم الكتاب المشتمل على عين التحقيق ، والحكمة المشتملة على التشريع وبيان الطريق ، فيجمعون لهم ما بين الحقيقة والشريعة ، وقد كانوا قبل ذلك فى ضلال مبين عن الجمع بينهما. وهذه المنّة عامة فى كل زمان ، إذ لا تخلو الأرض من داع يدعو إلى الله ، ومن اعتقد قطعه فقد قطع منة الله ، واستعجز قدرة الله ، وسد باب الرحمة فى وجه عباد الله ، والعياذ بالله.
ولما استغرب الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ ما وقع بهم يوم أحد ، مع كونهم وعدوا النصر ، نبههم الحق تعالى أن ذلك منهم بشؤم مخالفتهم ، فقال :
(أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥))
قلت : الهمزة ـ للتفريع ، و (لمّا) : ظرف ، خافضة لشرطها ، منصوبة بجوابها ، وهى معطوفة على محذوف ، أي : أكان ما كان يوم أحد ، ولمّا أصابتكم مصيبة ، قلتم ما قلتم ، و (قد أصبتم) : جملة حالية.
يقول الحق جل جلاله : أحين (أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) يوم أحد بقتل سبعين منكم ، و (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) يوم بدر فقتلتم سبعين وأسرتم سبعين ، (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) أي : من أين أصابنا هذا البلاء وقد وعدنا النصر؟ (قُلْ) لهم : (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) أي : مما اقترفته أنفسكم من مخالفة المركز ، والنصر الموعود كان مشروطا بالثبات والطاعة ، فلما اختل الشرط اختل المشروط ، (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ؛ فيقدر على النصر بشرط وبغيره ، لكن حكمته اقتضت وجود الأسباب والشروط ؛ لأن هذا العالم قائم بين قدرة وحكمة.
أو : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) باختياركم الفداء يوم بدر. روى عن على رضي الله عنه قال : (جاء جبريل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر فقال : خيّر أصحابك فى الأسارى ، إن شاءوا القتل ، وإن شاءوا الفداء ، على أن يقتل منهم عاما مقبلا مثلهم ، قالوا : الفداء ويقتل منّا.). والله تعالى أعلم.
الإشارة : إذا أصاب المريد شىء من المصائب والبلايا ، فلا يستغرب وقوع ذلك به ، ولا يتبرم منه ، فإنه فى دار المصائب والفجائع ، «لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت فى هذه الدار ، فإنما أبرزت ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها». وإذا كان أصابته مصيبة فى وقت ، فقد أصابته نعم جمة فى أوقات عديدة ، فليشكر الله على ما أولاه ، وليصبر على ما ابتلاه ، ليكون صبارا شكورا.