ناس من المدينة وأذاعوا كلامه. (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) يعنى : أبا سفيان وأهل مكة لما خرج إلى مرّ الظهران. وقوله : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) أي : عافية وسلامة ، (وَفَضْلٍ) ما أصابوا من التجارة ، وقوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ) يعنى : نعيما يخوفكم (أَوْلِياءَهُ) والباقي ظاهر.
الإشارة : أهل القوة من المريدين إذا قيل لهم : إن الناس قد جمعوا لكم ليردوكم أو يؤذوكم فاخشوهم ، زادهم ذلك إيمانا وإيقانا ، وتحققوا أنهم على الجادة ، لسلوكهم على منهاج من قبلهم ؛ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) الآية ، واكتفوا بعلم الله ونظره وبرعايته ونصره ، فانقلبوا بنعمة الشهود ، وفضل الترقي فى عظمة الملك الودود ، لم يمسسهم فى باطنهم سوء ولا نقصان ، واستوجبوا من الله الرضى والرضوان ، وإنما ذلكم شيطان يردهم عن مقام الشهود والعيان ، فلا ينبغى لهم أن يخافوا ومطلبهم مقام الإحسان ، الذي تبذل فى طلبه الأرواح والأبدان. وبالله التوفيق.
ثم هوّن شأن الكفار ، وأمّن المسلمين من ضررهم ، فقال :
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧))
قلت : حزن يحزن كبلغ يبلغ ، وأحزن يحزن ، كأكرم يكرم ، لغتان ، والأولى أفصح.
يقول الحق جل جلاله : ولا يهولك شأن (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) أي : يبادرون إلى الوقوع فيه ، كالمنافقين أو الكفار جميعا ، فلا تخف ضررهم ؛ (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) أي : لن يضروا أولياء الله ، وإنما يرجع ضررهم إلى أنفسهم. (يُرِيدُ اللهُ) ـ بسبب ما أظهر فيهم من المسارعة إلى الكفر ـ (أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي) ثواب (الْآخِرَةِ) ؛ لمّا سبق لهم من الشقاء ، حتى يموتوا على الكفر. وفى ذكر الإرادة إشعار بأن كفرهم بلغ الغاية ، حتى أراد أرحم الراحمين ألّا يكون لهم حظ من رحمته. (وَلَهُمْ) مع ذلك (عَذابٌ عَظِيمٌ).
ثم كرر شأنهم تأكيدا فقال : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) أي : استبدلوا الإيمان الذي ينجيهم من العذاب ، لو دخلوا فيه ، بالكفر الذي يوجب العذاب ، (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) موجع ، أو يكون فى الكفار أصالة ، وهذا فى المرتدين ، والله تعالى أعلم.