وإظهار عوراهم ، والله حفيظ عليهم ، سيكتب ما قالوا وما قصدوا من الإنكار على أوليائه ، ويقول لهم : ذوقوا عذاب البعد والحجاب. ومما يتشبثون به فى الإنكار عليهم : اقتراحهم الكرامات التي كانت للأولياء قبلهم ، ويقولون : لانصدق بهم حتى يأتوا بما أتى به فلان وفلان ، فقد كان من قبلهم يطعنون فيهم مع ظهور ذلك عليهم ، كما هو سنة الله فيهم. (والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم).
ثم سلّى الحقّ نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقوله :
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤))
قلت : (الزبر) : جمع زبور ، بمعنى مزبور ، أي : مكتوب ، من زبرت ، أي : كتبت ، وكل كتاب فهو زبور ، وقال امرؤ القيس :
لمن طلل أبصرته فشجانى |
|
كخطّ زبور فى عسيب يمان |
يقول الحق جل جلاله ، فى تسلية رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ من تكذيب اليهود وغيرهم له : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فليس ذلك ببدع ؛ (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ) مثلك (مِنْ قَبْلِكَ) جاءوا قومهم بالمعجزات البينات ، وبالكتب المنزلات ، فيها مواعظ زاجرات ، (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) المشتمل على الأحكام الشرعيات.
الإشارة : كما كذبت الأنبياء كذبت الأولياء ، بعد أن ظهر عليهم من العلوم الباهرة والحكم الظاهرة والكرامات الواضحة ، وأعظمها المعرفة ، وهذه سنة ماضية ، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وعند الله تجتمع الخصوم ؛ فيظهر المحق من المبطل ، وتوفى كل نفس ما أسلفت ، وتعلم علم يقين ما أظهرت وأضمرت ، كما أشار إلى ذلك بقوله :
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥))
قلت : (زحزح) : بوعد ، والزحزحة : الجذب والإخراج بعجلة.
يقول الحق جل جلاله : كل نفس منفوسة لا بد أن تذوق حرارة الموت ، وتسقى كأس المنون ، وإنما توفون جزاء أعمالكم يوم القيامة ، يوم قيامكم من القبور ، خيرا كان أو شرا.