قال البيضاوي : ولفظ التوفية يشعر بأنه قد يكون قبلها بعض الأجور ، أي : توفية بعض الأجور ، ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم : «القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار» ، (فَمَنْ زُحْزِحَ) أي : بوعد (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) بالنجاة ونيل المراد ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ؛ فلتدركه منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويأتى إلى الناس ما يحبّ أن يؤتى إليه».
(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) وزخارفها ولذاتها (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) ؛ فإن الغار ـ وهو المدلّس ـ يظهر ما هو حسن من متاعه ، ويخفى ما هو معيب ، كذلك الدنيا تبتهج لطالبها ، وتظهر له حلاوتها وشهواتها ، حتى تشغله عن ذكر الله وعن طاعته ، فيؤثرها على آخرته ، ثم يتركها أحوج ما يكون إليها ، فينقلب نادما متحسرا ، وفى ذلك يقول الشاعر :
ومن يحمد الدنيا لشىء يسره |
|
فسوف للعسر عن قريب يلومها |
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة |
|
وإن أقبلت كانت كثيرا همومها |
الإشارة : النفس ، من حيث هى ، كلها تقبل الموت لمن قتلها وجاهدها ، وإنما وقع التفريط من أربابها ، فمن زحزها عن نار الشهوات ، وقتلها بسيوف المخالفات ، حتى أدخلها جنات الحضرات ، فقد فاز فوزا عظيما ، وربح ربحا كريما. وبالله التوفيق.
ثم أمر بالصبر على فقد الأموال والإخوان ، وعلى أذى اليهود والمشركين ، فقال تعالى :
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦))
قلت : أصل (تبلونّ) : تبلوون كتنصرون ، ثم قلبت الواو ألفا ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين ، فصار تبلونن ، ثم أكد بالنون ، فاجتمع ثلاث نونات ، حذفت نون الرفع فالتقى ساكنان ؛ الواو ونون التوكيد ، فحركت الواو بالضمة المجانسة ، وهى النائبة عن الفاعل.
يقول الحق جل جلاله : والله (لَتُبْلَوُنَ) أي : لتختبرن (فِي أَمْوالِكُمْ) ؛ بما يصيبها من الآفات ، وما كلفتم به من النفقات ، (وَأَنْفُسِكُمْ) ؛ بالقتل والجراحات ، والأسر والأمراض وسائر العاهات. (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا