الولد فى ميراث الأم ، وإن كان للقلب إخوة من الأنوار والأسرار يتقوى بهما فللروح من ميراث الحكمة السدس ، والباقي كله للقدرة ، ولا يعرف هذا إلا من حقق معرفة القدرة والحكمة ، ذوقا وكشفا ، وإلّا .. فليسلم لأهل المعرفة. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر الحق تعالى حكمة تقسيم تركة الأب والابن على ما فرض ، وأن ذلك لا يعلمه إلا هو ، فقال :
(آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١))
يقول الحق جل جلاله : قد بينت لكم ما يرث الأب من ابنه ، وما يرث الولد من أبيه ، ولو وكلت ذلك إليكم لأفسدتم القسمة ؛ لأنكم لا تدرون أيهم أقرب نفعا للآخر ، هل الأب أقرب نفعا لابنه ، فتعطوه الميراث كله دون ولد الميت ، أو الولد أقرب نفعا لأبيه ، من الأب لابنه ، فتخصونه بالإرث ، ففرضت ميراث الأب وميراث الولد ، ولم نكل ذلك إليكم. (فَرِيضَةً) حاصلة (مِنَ اللهِ) ، (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بمصالح العباد (حَكِيماً) بما فرض وقدّر.
وقال ابن عباس : لا تدرون أيهم أطوع لله عزوجل من الآباء والأبناء ، وأرفعكم درجة يوم القيامة ، لأن الله تعالى يشفع المؤمنين فى بعضهم بعضا ، فيشفع الولد فى والديه ، إن كان أرفع درجة منهما ، فيرفعهما الله إليه ، ويشفع الوالدين فى ولدهما ، إن كانا أرفع درجة منه ، فيرتفع إليهما لتقر بذلك أعينهما. ه. بالمعنى.
الإشارة : الإنسان لا تقوم روحانيته إلا ببشريته ، وبشريته إلا بروحانيته ، فلا يدرى أيهما أقرب له نفعا ، لأن البشرية محل للعبودية ، والروحانية محل لشهود عظمة الربوبية ، ولا بد للجمع بينهما ، وكذلك الحس ، لا يقوم إلا بالمعنى ، والمعنى لا يقوم إلا بالحس ، فلا تدرى أيهما أقرب نفعا لك أيها المريد ، فتؤثره ، وإن كانت المعاني هى المقصودة بالسير ، لكن لا تقوم إلا بوجود الحس ، فلا بد من ملاحظته.
وقال الورتجبي هنا ما نصه : أشكل الأمر من تلك الطائفتين ، أيهم يبلغ درجة الولاية والمعرفة الموجبة مشاهدة الله وقربته ، التي لو وقعت ذرة منها لأحد من هذه الأمة لينجو بشفاعته سبعون ألفا بغير حساب ، أي : اخدموا آباءكم وارحموا أولادكم ، فربما يخرج منهم صاحب الولاية ، ليشفع لكم عند الله تعالى ، وحكمة الإبهام هاهنا ؛ ليشمل الرحمة والشفقة على الجمهور ، لتوقع ذلك الولي الصادق. ه. قلت : فسر الآباء والأبناء بالحسيين ، وتشمل الآية أيضا الآباء والأبناء المعنويين والروحانيين. والله تعالى أعلم.