(وَ) حرم الله تعالى ـ (الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) وهنّ اللاتي فى عصمة أزواجهن ، فلا يحل نكاحهن ما دمن فى عصمة الزوج ، (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من الغنيمة ، فإذا سبيت الكافرة ، ولها زوج ، جاز لمن ملكها أن يطأها بالملك بعد الاستبراء ، قال فى المختصر : وهدم السبي النكاح ، إلا أن تسبى وتسلم فى عدتها فهو أحق بها ، وقد بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم جيشا إلى أوطاس ، فأصابوا سبيا من العدو ، ولهن أزواج من المشركين فتأثموا من غشيانهن ، فنزلت الآية مبيحة لذلك ، (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي : كتب الله ذلك عليكم كتابا ، وهو ما حرّم فى الآية من النساء.
الإشارة : اعلم أن الإنسان لا يصير كاملا عارفا حتى يولد ثلاث مرات بعد الأم الحسية ، أولها : خروجه من بطن حب الدنيا الدنية ، ثم من الغفلة والشهوات الجسمانية ، ثم من ضيق الأكوان الظلمانية ، إلى فضاء المشاهدة والمعاينة ، وقال بعض الأولياء : (ليس منا من لم يولد مرتين) : فاعتبر الأولى والثالثة ، فإذا خرج الإنسان من هذه البطون حرّم الله عليه نكاحها والرجوع إليها.
وكذا يحرم عليه الرجوع إلى ما تولد منه من الزلات ، والأحوال الظلمانية ، وما كان ألفه وتواخى معه من البطالات والمألوفات ، وما وجد عليه أسلافه من التعصبات والحميات والرئاسات ، ولا فرق بين ما واجهه من ذلك من قبل الآباء والأمهات ، وكذلك ما ارتضع من ثدى الشهوات من لبان الغفلة ، وتراكم الأكنّات (١) ، فليبادر إلى نحريمها ، وفطام نفسه عنها ، قبل تحكمها ، كما قال البوصيرى رضي الله عنه :
والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ |
|
على حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم |
وكذا يحرم عليه ، صحبة من ارتضع معه فى هذا الثدي قبل الفطام ؛ من الأخوة والأخوات ، وكذا أمهات الخطايا ، وهى حب الدنيا والرياسة والجاه ، وكذلك حرمت عليكم ربائب العلائق والعوائق ، لتدخلوا بلاد الحقائق ، فإن لم تكونوا من أهل الحقائق فلا جناح عليكم إذ كنتم من عوام الخلائق ، وكذلك يحرم عليكم ما حل لأبناء جنسكم من تعاطى الأسباب والاشتغال بها عن خدمة رب الأرباب ، وأن تجمعوا بين حب الدنيا ومحبة المولى. قال الشافعي رضي الله عنه : (من ادّعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها ، فقد كذب).
إلا ما قد سلف فى أيام البطالة ، وكذا يحرم على المريد المتجرد المستشرف على المعاني تعاطى العلوم الظاهرة ، التي دخل بها أهل الظاهر وافتضوا بكارتها ـ إلا ما ملكه قبل التجريد ، فلا يضره إن غاب عنها فى أسرار التوحيد ، والله تعالى أعلم بأسرار غيبه.
__________________
(١) الأكنات : الأغطية.