والأسرار الربانية ، التي هى وراء طور العقول ولا تدرك بالطروس (١) ولا بالنقول ، وإليها أشار ابن الفارض رضي الله عنه حيث قال :
ولا تك ممّن طيّشته طروسه |
|
بحيث استخفت عقله واستفزّت |
فثمّ وراء النّقل علم يدقّ عن |
|
مدارك غايات العقول السليمة |
تلقّيته منّى وعنى أخذته |
|
ونفسى كانت من عطاء ممدّة |
أردنا منكم أن تبتغوا ببذل أمواكم ومهجكم تلك العلوم المقدسة ، والأسرار المطهرة ، متحصنين من دنس الحس والهوى ، غير مباشرين لنجاسة الدنيا ، ولا مصطحبين مع أهلها ، لتتمتعوا بشهود أسرارنا ، وأنوار قدسنا ، فما استمتعتم به من ذلك ، فصونوه عن غير أهله ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من إعطائه لأهله ، من بعد حفظه عمن لا يستحقه ، والله تعالى أعلم.
ثم ذكر حكم من عجز عن صداق الحرة ، فقال :
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ ...)
قلت : الطول : الغنى والسعة ، ويطلق على العلو ، مصدر طال طولا ، وهو مفعول «يستطع» أو مصدر له ـ لتقارب معناهما ، و (أن ينكح) بدل منه على الأول ، أو مفعول به على الثاني ، أي : لأن ينكح ، و (محصنات غير مسافحات) ، حالان ، والعامل فيه : (انكحوهن) ، والخدن : الخليل.
يقول الحق جل جلاله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) أي : لم يجد غنى يقدر به على نكاح (الْمُحْصَناتُ) ، أي : الحرائر (الْمُؤْمِناتِ) ، فليتزوج من ما ملكت أيمانكم ، من الإماء المؤمنات دون الكافرات ، فإن أظهرت الإيمان فاكتفوا بذلك ، وعلم الباطن لا يعلمه إلا الله ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) فلا يمنعكم من نكاحهن خوف المعرة ، فإنما أنتم جنس واحد ، ودينكم واحد ، (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) فلا تستنكفوا من نكاحهن ،
__________________
(١) الطروس : الصحف.