توحيد من ينطق عن نعته |
|
عارية أبطلها الواحد |
توحيده إياه توحيده |
|
ونعت من ينعته لاحد (١) |
فقال فى توحيد نفسه بنفسه مترجما عن نفسه بنفسه : (الحمد لله رب العالمين) ، فكأنه يقول فى عنوان كتابه وسر خطابه : أنا الحامد والمحمود ، وأنا القائم بكل موجود ، أنا رب الأرباب ، وأنا مسبب الأسباب لمن فهم الخطاب ، أنا رب العالمين ، أنا قيوم السموات والأرضين ، بل أنا المتوحد فى وجودى ، والمتجلّى لعبادى بكرمى وجودى ، فالعوالم كلها ثابتة بإثباتى ، ممحوّة بأحدية ذاتى.
قال رجل بين يدى الجنيد : (الحمد لله) ولم يقل : (رب العالمين) ، فقال له الجنيد : كمّلها يا أخى ، فقال الرجل : وأىّ قدر للعالمين حتى تذكر معه؟! فقال الجنيد : قلها يا أخى ؛ فإن الحادث إذا قرن بالقديم تلاشى الحادث وبقي القديم.
يقول سبحانه : يا من هو منى قريب ، تدبر سرّى فإنه غريب ، أنا المحب ، وأنا الحبيب ، وأنا القريب ، وأنا المجيب ، أنا الرحيم الرحمن ، وأنا الملك الديان ، أنا الرحمن بنعمة الإيجاد ، والرحيم بتوالي الإمداد. منّى كان الإيجاد ، وعلىّ دوام الإمداد ، وأنا رب العباد ، أنا الملك الدّيان ، وأنا المجازى بالإحسان على الإحسان ، أنا الملك على الإطلاق ، لو لا جهالة أهل العناد والشقاق ، الأمر لنا على الدوام ، لمن فهم عنا من الأنام.
قال فى الرسائل الكبرى (٢) : لا عبرة بظواهر الأشياء ، وإنما العبرة بالسر المكنون ، وليس ذلك إلا بظهور أمر الحق وارتفاع غطائه وزوال أستاره وخفائه ، فإذا تحقق ذلك التجلي والظهور ، واستولى على الأشياء الفناء والدّثور ، وانقشعت الظلمات بإشراق النور ، فهناك يبدو عين اليقين ويحق الحق المبين ، وعند ذلك تبطل دعوى المدعين ، كما يفهم العامة بطلان ذلك فى يوم الدين ، حين يكون الملك لله رب العالمين ، وليت شعرى أىّ وقت كان الملك لسواه حتى يقع التقييد بقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) وقوله : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)؟! لو لا الدعاوى العريضة من القلوب المريضة. ه.
__________________
(١) مضمون الأبيات كما يقول الشيخ ابن عجيبة فى إيقاظ الهمم : أن الحق تولى توحيد نفسه بنفسه. فكل من ادعى أنه وحده بنفسه فهو جاحد لوحدانيته ، حيث أشرك معه نفسه ، وكل من ينعته بنفسه فهو لاحد ـ أي : مائل عن الصواب. وهذا المعنى من المعاني التي ينبغى أن تفهم فى ضوئها هذه الأبيات ، وللأبيات محامل أخرى ذكرها العلامة ابن القيم. فلتنظر فى كتابه مدارج السالكين. وانظر أيضا : مدارج السلوك لأبى بكر بنانى.
(٢) لابن عباد النفزي ، شارح الحكم.