سبط نقيبا ، يكون أمينا وكفيلا على قومه بالوفاء على ما أمروا به. فاختار موسى النقباء ، فسار بهم حتى إذا دنوا من أرض كنعان ، وهى أريحا ، بعث هؤلاء النقباء يتجسسون الأخبار ، ونهاهم أن يحدثوا قومهم بما يرون ، فلما قربوا من الأرض المقدسة رأوا أجراما عظاما وبأسا شديدا ، فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم ، إلا كالب بن يوقنا ـ من سبط يهوذا ـ ويوشع بن نون ـ من سبط إفرائيم بن يوسف ـ ثم (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) إلى آخر ما يأتى من قصتهم. وأما ما ذكره الثعلبي هنا ، وغيره ، من قصة عوج بن عناق ، فقال القسطلاني : هى باطلة من وضع الزنادقة ، فلا يجوز ذكرها فى تفسير كتاب الله الصادق المصدوق.
(وَقالَ اللهُ) لبنى إسرائيل : (إِنِّي مَعَكُمْ) بالنصر والمعونة ؛ (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) التي أرسلت بعد موسى (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي : نصرتموهم وقويتموهم ، (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بالإنفاق فى سبل الخير ، (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : أستر عنكم ذنوبكم فلا نفضحكم بها ، (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) العهد المؤكد ، المعلق عليه هذا الوعد العظيم ، (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي : تلف عن وسط الطريق ، تلفا لا شبهة فيه ولا عذر معه ، بخلاف من كفر قبل أخذ العهد ؛ فيمكن أن تكون له شبهة ، ويتوهم له معذرة.
ثم إن بنى إسرائيل نقضوا المواثيق التي أخذت عليهم ، فكفروا وقتلوا الأنبياء ، قال تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) أي : طردناهم وأبعدناهم ، أو مسخناهم ، (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) أي : يابسة صلبة لا ينفع فيها الوعظ والتذكير ، أو رديّة مغشوشة بمرض الذنوب والكفر.
ثم بيّن نتيجة قسوة قلوبهم فقال : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) لفظا أو تأويلا. ولا قسوة أعظم من الجرأة على تغيير كتاب الله وتحريفه ، (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أي : تركوا نصيبا واجبا مما ذكروا به من التوراة. فلو عملوا بما ذكّرهم الله فى التوراة ما نقضوا العهود وحرّفوا كلام الله من بعد ما علموه ، لكن رين الذنوب والانهماك فى المعاصي ، غطت قلوبهم فقست ويبست ، (وَلا تَزالُ) يا محمد (تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) أي : خيانة (مِنْهُمْ) أو على طائفة خائنة منهم ، لأن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم ، فلا تزال ترى ذلك منهم (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لم يخونوا ، وهم الذين أسلموا منهم ، (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) حتى يأتيك أمر الله فيهم ، أو إن تابوا وآمنوا ، أو إن عاهدوا والتزموا الجزية ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) إلى عباده كيفما كانوا. ومن الإحسان إليهم : جبرهم على الإيمان بالسيف وسوقهم إلى الجنة بسلاسل الامتحان.
الإشارة : قد أخذ الله على هذه الأمة أن يلتزموا أحكام القرآن ، ويحافظوا على مراسم الإسلام والإيمان ، ويجاهدوا نفوسهم فى تحصيل مقام الإحسان ، وبعث من يقوم ببيان شرائع الإسلام والإيمان ، ومن يعرف الطريق إلى مقام الإحسان ، وقال الله لهم : (إنى معكم) بالنصر والتأييد ، لئن أقمتم شرائع الإسلام ، وحققتم قواعد الإيمان ، وعظمتم من يعرفكم بطريق الإحسان ، لأغطين مساوئكم ، ولأمحقن دعاويكم ، فأوصلكم بما منى إليكم من الكرم