الجاهل الذي لا يرحم نفسه ؛ بأن يعلمه ما ينفع به نفسه ويرحمها. وقال الغزالي فى الإحياء : يجب على العلماء أن يبعثوا من يعلم الناس فى البوادي ؛ فإن أخلوا بذلك الأمر عاقبهم الله ، فمن تعرض لتعليمهم قام بهذا الواجب. والله تعالى أعلم. وأما ما يذكر حديثا : «أمتى فى المدن ، وقليل فى البادية» ، فلم يصح ، بل قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ للرجل الذي أراد أن ينتقل إلى المدينة : «اعبد الله حيثما كنت ، فإن الله لن يترك من أعمالك شيئا». وكذلك قوله : إذا أراد الله بعبد خيرا نقله من البادية إلى الحاضرة ؛ لم أقف عليه حديثا. وبالله التوفيق.
ثم ذكر فضل السابقين إلى الإسلام ، فقال :
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠))
قلت : (السابقون) : مبتدأ ، (والذين اتبعوهم) : عطف عليه ، وجملة (رضى الله عنهم) : خبر.
يقول الحق جل جلاله : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) إلى الإسلام (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) ؛ وهم الذين صلوا إلى القبلتين ، أو الذين شهدوا بدرا ، أو الذين أسلموا قبل الهجرة ، (وَ) من (الْأَنْصارِ) ؛ وهم أهل بيعة العقبة الأولى ، وكانوا سبعة ، أو أهل العقبة الثانية ، وكانوا سبعين ، أو الذين أسلموا حين قدم عليهم مصعب بن عمير.
(وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) ؛ اللاحقين بالسابقين من الفريقين ، أو من الذين اتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة ، (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم ، (وَرَضُوا عَنْهُ) بما نالوا من نعمه الدينية والدنيوية ، (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ) وقرأ ابن كثير : «من تحتها» ، كما هى فى مصحف أهل مكة. (خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي : الفلاح الدائم الكبير.
الإشارة : لكل زمان سابقون ، قد شمروا عن ساق الجد والاجتهاد ، ورفضوا كل ما يقطعهم عن محبوبهم من العشائر والأولاد ، قد خرقوا عوائد أنفسهم ، فأبدلوا العز بالذل ، والجاه بالخمول ، والغنى بالفقر ، والرفعة بالتواضع ، والرغبة بالزهد ، وشغل الظاهر بالتفرغ ؛ ليتفرغ بذلك الباطن. وسافروا فى طلب محبوبهم ، وصحبوا المشايخ ، وخدموا الإخوان ، حتى ارتفعت عنهم الحجب والأستار ، وتمتعوا بمشاهدة الكريم الغفار ؛ فتهيئوا لتذكير العباد ، وحيت بهم الأقطار والبلاد. وفى مثلهم يقول الشاعر :