تحيا بكم كل أرض تنزلون بها |
|
كأنّكم فى بقاع الأرض أمطار |
وتشتهي العين فيكم منظرا حسنا |
|
كأنّكم فى عيون الناس أقمار. |
(فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون).
ثم ذكر بقية من المنافقين ، فقال :
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١))
يقول الحق جل جلاله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) ، يا أهل المدينة ، (مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) ساكنون حولكم ، وهم : جهينة ، ومزينة ، وأسلم ، وغفار ، وأشجع ، كانوا نازلين حول المدينة ، أما أسلم وغفار فتابوا ، ودعا لهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال : «أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها» وأما الباقي فأسلم بعضهم.
قال تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) قوم (مَرَدُوا) أي : استمروا (عَلَى النِّفاقِ) ، واجترءوا عليه ، وتمرنوا وتمهروا فيه ، (لا تَعْلَمُهُمْ) أي : لا تعرفهم يا محمد بأعيانهم ، وهو بيان لمهارتهم وتنوقهم فى تحرى مواقع التهم إلى حد قد خفى عليك حالهم ، مع كمال فطنتك وحذق فراستك ، (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ، ونطّلع على أسرارهم ، إن قدروا أن يلبسوا عليك فلا يقدرون أن يلبسوا علينا ، (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) بالفضيحة والقتل ، أو بأحدهما وعذاب القبر ، أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان فى الحرب ، أو بإقامة الحدود وعذاب القبر ، أو بتسليط الحمى عليهم مرتين فى السنة ، (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) بعد الموت ، وهو عذاب النار.
الإشارة : قد جعل الله ـ سبحانه ـ بحكمته وقدرته ، فى كلّ عصر وأوان بحرين : بحرا من النور وبحرا من الظلمة ، من عصر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى قيام الساعة ، فلا بد فى كل عصر من نور وظلمة ، وإيمان وكفران ، ونفاق وإخلاص ، وصفاء وخوض ، فأهل النور نورهم فى الزيادة إلى قرب قيام الساعة ، وأهل الظلمة كذلك ، إذ لا تعرف الأشياء إلا بأضدادها ، ولا يظهر شرف النور إلا بوجود الظلمة ، ولا شرف الصفاء إلا بوجود الخوض ، ولا فضل العلم إلا بوجود الجهل ، وهكذا جعل الله من كل زوجين اثنين ، ليقع الفرار إلى الواحد الحق ، فمن رام انفراد أحدهما فى الوجود فهو جاهل بحكمة الملك الودود. والله تعالى أعلم.