والمخلطون هم الذين يكثر سقوطهم ورجوعهم ، عسى الله أن يتوب عليهم. والمنهمكون هم المصرون على الفواحش ، فإن سبقت لهم عناية رجعوا ، وإن لم تسبق لهم عناية فهم معرّضون لنقمة الله وحلمه. والله تعالى أعلم.
ولما تاب الله على المتخلفين ، وأطلقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الوثاق ، قالوا : يا رسول الله ، هذه أموالنا التي خلفتنا ، خذها فتصدّق بها وطهّرنا ، فقال عليه الصلاة السلام : «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا». فأنزل الله فى ذلك :
(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
يقول الحق جل جلاله ، لنبيه ـ عليه الصلاة السلام : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) التي عرضوها عليك ، (صَدَقَةً) ، وهو الثلث ، فأخذ عليه الصلاة السلام من أموالهم الثلث ، وترك لهم الثلثين ، أو : خذ من أموالهم صدقة ، وهى الزكاة المفروضة ، والضمير لجميع المسلمين. من صفة تلك الصدقة : (تُطَهِّرُهُمْ) أنت يا محمد بها من الذنوب ، أو حب المال المؤدى بهم إلى البخل ، الذي هو أقبح الذنوب. وقرىء بالجزم ؛ جواب الأمر.
(وَتُزَكِّيهِمْ) أي : تنمى بها حسناتهم ، أو ترفعهم (بِها) إلى درجات المخلصين ، (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي : ترحم عليهم ، وادع لهم بالرحمة ، فكان عليه الصلاة السلام يقول لمن أتاه بصدقته : «اللهمّ صلّ على آل فلان». فأتى أبو أوفى بصدقته فقال : «اللهمّ صلّ على آل أبى أوفى» (١).
(إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ؛ تسكن إليها نفوسهم ، وتطمئن بها قلوبهم ، لتحققهم بقبول دعائه عليه الصلاة السلام. قال القشيري : انتعاشهم بهمّتك معهم أتم من استقلالهم بأموالهم. ه. وجمع الصلوات ؛ لتعدد الموعد لهم ، وقرأ الأخوان وحفص بالتوحيد. (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : سميع باعترافهم عليم بندامتهم.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) إذا صحت ، والضمير إما للتوب عليهم ، والمراد أن يمكن فى قلوبهم قبول توبتهم والاعتداد بصدقتهم ، أو لغيرهم ، والمراد به التحضيض على التوبة ، (وَ) أنه هو الذي (يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) ؛ يقبلها قبول من يأخذ شيئا ليؤدى بدله ، (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي : من شأنه قبول توبة التائبين ، والمتفضل عليهم بجوده وإحسانه.
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الزكاة ، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة) ومسلم فى (الزكاة ، باب الدعاء لمن أتى بصدقته) من حديث عبد الله بن أبى أوفى.