الإشارة : أخذ المشايخ من أموال الفقراء سبب فى غناهم ، واتساع حالهم حسا ومعنى ، وقد قالوا : إذا أراد الله أن يغنى فقيرا سلط عليه وليا يأخذ ماله ، أو أمره شيخه بإعطاء ماله ، فإن ذلك عنوان على غناه. وقد ذكر ذلك شيخ أشياخنا سيدى على الجمل العرانى فى كتابه. وقد رأيت فى مناقب شرفاء وزان : أن الشيخ مولاى التهامي أرسل إلى أخيه مولاى الطيب ، وكان من خواص تلامذته ، أن يدفع إليه جميع ماله ليصنع به كسوة للمرابطين ، فأرسل له جميع ما يملك ، حتى كسوة الدار وأثاث البيت ، فكان ذلك سببا فى فيضان ماله ، فلا تجد مدينة ولا قبيلة إلا وفيها ملك من أملاك مولاى الطيب ، حتى إلى بلاد الجزائر وما والاها ، وذلك بسبب تجارة شيخه له.
والله تعالى أعلم.
ثم هدد أهل التخليط ، فقال :
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥))
يقول الحق جل جلاله : (وَقُلِ اعْمَلُوا) ما شئتم من خير أو شر ، (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) ؛ فإنه لا يخفى عليه ؛ خيرا كان أو شرا ، (وَ) سيرى ذلك أيضا (رَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ، فيظهر لهم ما يبدو منكم ، فإن الطول يفضح صاحبه. (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ؛ بالموت ، (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ؛ فيخبركم بما عملتم ؛ بالمجازاة عليه.
الإشارة : كل من ظهر بدعوى أو تعرض لمقام من المقامات يقال له : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ، فإن كان أمره مبنيا على أساس الإخلاص والتقوى ثبت وانتهض ، وشعشع نوره ، وإن كان مبنيا على غير أساس ، افتضح وكسف نوره ، وسيرد الجميع إلى عالم الغيب والشهادة ، فيجازى كلّا بعمله.
ثم نزل فى شأن الثلاثة الذين خلّفوا قوله تعالى :
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦))
قلت : الإرجاء هو التأخر ، يقال : أرجاه ـ بالهمز وتركه ـ : أخره.
يقول الحق جل جلاله : (وَآخَرُونَ) من المتخلفين ، تخلفوا من غير عذر ، ولم يعتذروا بشىء ، (مُرْجَوْنَ) أي : مؤخرون (لِأَمْرِ اللهِ) فى شأنهم ؛ (إِمَّا) أن (يُعَذِّبُهُمْ) على تخلفهم عن الجهاد مع