وطهرتها ، فصرت كأنى أسمعه من النبي صلىاللهعليهوسلم ، يتلوه على أصحابه ، ثم رفعت إلى مقام فوقه ، فكنت أتلوه كأنى أسمعه من جبريل يلقيه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم منّ علىّ الله بمنزلة أخرى ، فأنا الآن أسمعه من المتكلم به ، فعندها وجدت له نعيما لا أصبر عليه. ه. بلفظه.
مثل هذا يزيده القرآن إيقانا ، ويستبشر قلبه عند سماعه ، وأما من كان مريض القلب بحب الدنيا ، مغمورا بالشكوى والأوهام والخواطر ، فلا يزيده القرآن إلا بعدا ؛ حيث لم يتدبر فيه ، ولم يعمل بمقتضاه ، وإذا حضر مثل هذا الغافل مجلس وعظ أو تذكير أو ذكر لم يطق الجلوس ، بل نظر : هل يراه من أحد؟ ثم انصرف ، صرف الله قلبه عن حضرة قدسه ؛ لعدم فهمه عن ربه. والله تعالى أعلم.
ثم ختم السورة بذكر محاسن نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؛ لما ظهر عليه فى هذه السورة من الرحمة والرأفة بالمؤمنين ، ومن العفو والصفح عن المعتذرين ، فقال :
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))
قلت : «عزيز» : صفة «لرسول» ، و «ما عنتم» : فاعله ، و «ما» : مصدرية ، أي : عزيز عليه عنتكم ، أو عزيز : خبر مقدم ، و «ما عنتم» مبتدأ ، والعنت : المشقة والتعب.
يقول الحق جل جلاله ، مخاطبا العرب ، أو قريش ، أو جميع بنى آدم : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ؛ محمّد صلىاللهعليهوسلم ، أي : من قبيلتكم ، بحيث تعرفون حسبه وصدقه وأمانته ، وتفهمون خطابه ، أو من جنسكم من البشر. وقرأ ابن نشيط : بفتح الفاء ، أي من أشرافكم. قال صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى بنى هاشم من قريش ، واصطفاني من بنى هاشم ، فأنا مصطفى من مصطفين».
(عَزِيزٌ عَلَيْهِ) ، أي : شديد شاق عليه (ما عَنِتُّمْ) أي : عنتكم ومشقتكم ولقاؤكم المكروه فى دينكم ودنياكم. (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أي : على إيمانكم وسعادتكم وصلاح شأنكم ، (بِالْمُؤْمِنِينَ) منكم ومن غيركم (رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي : شفيق بهم ، قدّم الأبلغ منهما ؛ لأن الرأفة شدة الرحمة ؛ للفاصلة. وسمى رسوله هنا باسمين من أسمائه تعالى.