(فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان بك ، بعد هذه الحالة المشهورة ، التي منّ الله عليهم بها ، (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) أي : كافينى أمركم ، فإن قلت ذلك ؛ فإنه يكفيك شأنهم ويعينك عليهم ، أو فإن أعرضوا فاستعن بالله وتوكل عليه ، فإنه كافيك ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ؛ فلا يتوكل إلا عليه ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) ؛ فلا أرجو ولا أخاف إلا منه ، (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ، أي : الملك العظيم ، أو الجسم الأعظم المحيط ، الذي تنزل منه الأحكام والمقادير.
وعن أبى : آخر ما نزل هاتان الآيتان. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما نزل القرآن علىّ إلّا آية آية ، وحرفا حرفا ، ما خلا سورة براءة ، و (قل هو الله أحد) فإنهما أنزلتا علىّ ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة» (١) قاله البيضاوي. وهاتان الآيتان أيضا مما وجدتا عند خزيمة بن ثابت ، بعد جمع المصحف ، فألحقتا فى المصحف ، بعد تذكر الصحابة لهما وإجماعهم عليهما. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغى لورثته ـ عليه الصلاة والسلام ـ الداعين إلى الله ، أن يتخلقوا بأخلاقه صلىاللهعليهوسلم ، فيشق عليهم ما ينزل بالمؤمنين من المشاق والمكاره ، وييسرون ولا يعسرون عليهم ، ويحرصون على الخير للناس كافة ، ويبذلون جهدهم فى إيصاله إليهم ، ويرحمونهم ويشفقون عليهم ، فإن أدبروا عنهم استغنوا بالله وتوكلوا عليه ، وفوضوا أمرهم إليه ، من غير أسف ولا حزن.
وقال الورتجبي : قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) ، اشتد عليه مخالفتنا مع الحق ، ومتابعتنا هوانا واحتجابنا عن الحق. قال بعضهم : شق عليه ركوبكم مراكب الخلاف. قال سهل : شديد عليه غفلتكم عن الله ولو طرفة عين. ثم قال فى قوله تعالى : (فإن تولوا فقل حسبى الله ...) الآية : سلى قلبه بإعراضهم عن متابعته ، مع كونه حريصا على هدايتهم ، أي : ففى الله كفاية عن كل غير وسوى.
قال القشيري : أمره أن يدعو الخلق إلى التوحيد ، ثم قال له : فإن أعرضوا عن الإجابة فكن بنا ، بنعت التجريد. ويقال : قال له : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) ، ثم أمره أن يقول : حسبى الله. قوله تعالى : (حَسْبُكَ) : عين الجمع ، وقوله : (حَسْبِيَ اللهُ) فرق ، بل هو الجمع ، أي : قل ، ولكن بنا تقول ، فنحن المتولون عنك وأنت مستهلك فى عين التوحيد ؛ فأنت بنا ، ومحو عن غيرنا. ه
وبالله التوفيق. ولاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
__________________
(١) عزاه فى الفتح السماوي ، للثعلبى ، من حديث السيدة عائشة ، وقال الحافظ ابن حجر فى الكافي الشاف : (إسناده واه) ، وقال الولي العراقي : هو منكر جدا. وقال التفتازانيّ فى حاشيته على الكشاف : هذا يخالف ما ثبت فى أحاديث صحيحة وردت فى أسباب نزول كثير من الآيات ، فإنها نزلت منفردة. وذلك يدل على أن السورة لم تنزل جملة ، ولو لم لم تكن إلا آية : «وعلى الثلاثة الذين خلفوا ..» لكفى. ه. راجع الفتح السماوي (٢ / ٧١١)