حيث استخرجهم واستشهدهم ، فاتفقوا على الإقرار ، ثم اختلفوا فى عالم الأشباح باتباع الهوى والأباطيل ، أو ببعثة الرسل فتبعتهم طائفة وكفرت أخرى. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) فى اللوح المحفوظ ، بتأخير الحكم ، أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة ، فإنه يوم الفصل والجزاء ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) عاجلا (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بإهلاك المبطل وإبقاء المحق.
الإشارة : اختلاف الناس على الأولياء كاختلافهم على الأنبياء ، أمر سبق به الحكم الأزلى لا محيد عنه ، فمن طلب اتفاقهم عليه فهو جاهل بالله وبطريق أهل الله. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر اقتراحهم الآيات ، فقال :
(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))
يقول الحق جل جلاله : (وَيَقُولُونَ) ؛ يقول الكفار : (لَوْ لا) ؛ هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) ظاهرة (مِنْ رَبِّهِ) تدل على صدقه ، يعاينها الناس كلهم ، فتلجئهم إلى الإيمان به ، وهذا الأمر على هذا الوجه لم يكن لنبى قط ، إنما كانت الآية تظهر معرّضة للنظر ، فيهتدى بها قوم ، ويكفر بها آخرون ، (فَقُلْ) لهم : (إِنَّمَا) علم (الْغَيْبُ لِلَّهِ) مختص به ، فلم أطّلع عليه حتى أعلم وقت نزولها ، ولعله علم ما فى نزولها من الضرر لكم فصرفها عنكم ، (فَانْتَظِرُوا) نزول ما اقترحتموه ، (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لذلك ، وهذا وعد قد صدقه الله بنصرته ـ عليه الصلاة السلام ـ وأخذهم ببدر وغيره ، أو من المنتظرين لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات.
الإشارة : ما زالت العامة تطلب من مشايخ التربية الكرامات ، فجوابهم ما قال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قل إنما الغيب لله) فانتظروا ما يظهر على أيديهم من الهداية والإرشاد ، وإحياء البلاد والعباد بذكر الله ، وهذا أعظم الكرامة ، فإن إخراج الناس عن عوائدهم وعن دنياهم خارق للعادة ، سيما فى هذا الزمان الذي احتوت فيه الدنيا على القلوب ، فلا ترى عالما ولا صالحا ولا منتسبا إلا وهو مغروق فى بحر ظلماتها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم ذكر جزئيات من الآيات لمن فهم واعتبر ، فقال :
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ