والولد ، (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) فكفر بها ، فلا أظلم منه (إِنَّهُ) أي : الأمر والشأن (لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) أي : لا يظفرون ببغيتهم ، ولا تنجح مساعيهم ؛ لاشراكهم بالله. كما قال تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) من الجمادات التي لا تقدر على ضر ولا نفع ، والمعبود ينبغى أن يكون مثيبا ومعاقبا حتى تكون عبادته لجلب نفع أو دفع ضر. (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) الأوثان (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا ، أو فى الآخرة إن يكن بعث ، وكأنهم كانوا شاكين فيه ، وهذا من فرط جهالتهم ، حيث تركوا عبادة الموجد للأشياء ، الضار النافع ، إلى عبادة ما يعلم قطعا أنه لا يضر ولا ينفع. (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) أتخبرونه (بِما لا يَعْلَمُ) وجوده (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) وهو أن له شريكا فيهما يستحق أن يعبد. وفيه تقريع وتهكم بهم.
قال ابن جزى : هو رد عليهم فى قولهم بشفاعة الأصنام ، والمعنى : أن شفاعة الأصنام ليست بمعلومة لله الذي هو عالم بما فى السموات والأرض ، وكل ما ليس بمعلوم له فهو عدم محض ، ليس بشىء ، فقوله : (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) تقرير لهم على وجه التوبيخ والتهكم ، أي : كيف تعلمون الله بما لا يعلم. ه. قال ابن عطية : وفى التوقيف على هذا أعظم غلبة لهم ، إذ لا يمكنهم إلا أن يقولوا : لا نفعل ولا نقدر أن نخبر الله بما لا يعلم.
ثم نزّه نفسه عن ذلك فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى) أي : تنزيها له وتعاظم (عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : إشراكهم ، أو عن الشركاء الذين يشركونهم معه. وقرأ الأخوان : بالتاء ، أي : عما تشركون أيها الكفار.
الإشارة : فى هذه الآية زجر كبير لأهل الدعوى ، الذين ادعوا الخصوصية افتراء ، ولأهل الإنكار الذين كذبوا من ثبتت خصوصيته ، وتسجيل عليهم بالإجرام ، وبعدم النجاح والفلاح ، وفيها أيضا : زجر لمن اعتمد على مخلوق فى جلب نفع أو دفع ضر ، أو اغتر بصحبة ولى يظن أنه يشفع له مع إصراره وعظيم أوزاره. والله تعالى أعلم.
ثم إن اختلاف الناس على الأنبياء وتكذيبهم وإشراكهم ؛ إنما هو أمر عارض ، حصل لهم باندراس العلم وقلة الإنذار ، كما قال تعالى :
(وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩))
يقول الحق جل جلاله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) موحّدين ، على الفطرة الأصلية ، أو متفقين على الحق ، وذلك فى عهد آدم ، إلى أن قتل قابيل أخاه هابيل ، أو بعد الطوفان إلى زمان اختلافهم ، أو الأرواح