فتعرف ما أسلفت من أعمالها ، (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) : إلى جزائه إياهم بما أسلفوا ، (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) أي متولّى أمورهم على الحقيقة ، لا ما اتخذوه مولى بافترائهم ، (وَضَلَ) أي : ضاع وغاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من أن آلهتهم تشفع لهم ، أو ما كانوا يدّعون أنها آلهة.
الإشارة : من أحب شيئا كان عبدا له ، ومن عبد شيئا حشر معه. روى : أن الدنيا تبعث على صورة عجوز شمطاء زرقاء ، تنادى : أين أولادى وأحبابى؟ ثم تذهب إلى جهنم فيذهبون معها. فمن عبد دنياه وهواه وقف موقف الهوان ، ومن أحب مولاه ولم يحب معه شيئا سواه ، وقف موقف العز والتقريب فى مواطن الإحسان. فهناك تفضح السرائر ، وتكشف الضمائر ، وتظهر مقامات الرجال ، ويفتضح من أسر النقص وادعى الكمال فيرتفع المقربون إلى شهود مولاهم الحق ، ويبقى المدعون مع حظوظهم فى حجاب الحس والخلق. والله تعالى أعلم.
ثم عرفهم من يستحق العبادة ، فقال :
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) لهم : (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بإنزال الأمطار ، وإنبات الحبوب ، فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية ، أو من كل واحد منهما ؛ توسعة عليكم ، أو من السماء لأهل التوكل ، (وَ) من (الْأَرْضِ) لأهل الأسباب. وقل لهم أيضا : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) أي : من يستطيع خلقهما وتسويتهما ، أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتهما ، وسرعة انفعالهما من ادنى شىء ، أو من أمرهما بيده ، إن شاء ذهب بهما؟ وقل لهم أيضا : (وَمَنْ) يقدر أن (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) ، فيخرج الحيوان من النطفة ، والنطفة من الحيوان؟ وهكذا.
وقل لهم أيضا : (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي : ومن يلى تدبير العالم ، من عرشه إلى فرشه؟ وهو تعميم بعد تخصيص ، (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) ، لا محيص لهم عن الإقرار بسواه ؛ إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد فى ذلك ؛ لفرط وضوحه. (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) عقاب الله وغضبه؟ بسبب إشراككم معه ما لا يشاركه فى شىء من ذلك ، (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) أي : المتولى لهذه الأمور هو ربكم ، الذي يستحق أن تعبدوه ، الثابت ربوبيته ، لأنه هو