عبارة عن أنها لا تنتقل إلّا أن تنقل. قال : ويحتمل أن يكون ما ذكره الله من تسبيح الجمادات ؛ هو اهتداؤه. ويحتمل أن يكون الاستثناء فى اهتدائها إشارة إلى مذاكرة الكفار يوم القيامة حسبما مضى فى هذه السورة. ه. (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي : أىّ شىء حصل لعقولكم ، فكيف تحكمون بشىء يقتضى العقل بطلانه بأدنى تفكر؟.
الإشارة : فى الآية تحريض على رفع الهمة عن السّوى ، إلى من بيده البدء والإعادة ، والإرشاد والهداية ، إلا من جعل على يديه الإرشاد والهداية ، وهم الأنبياء والأولياء والعلماء الأتقياء ، فالخضوع إليهم خضوع إلى الله على الحقيقة ، واتباعهم اتباع لله على الحقيقة ، وكل من تبع غيرهم فإنما يتبع الظن والهوى دون الحق ، كما أبان ذلك بقوله تعالى :
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَما يَتَّبِعُ) أكثر المشركين فى اعتقادهم (إِلَّا ظَنًّا) مستندا إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة ، كقياس الغائب على الشاهد ، والخالق على المخلوق ، بأدنى مشاركة موهومة. والمراد بالأكثر : الجميع ، أو من ينتسب منهم إلى تمييز ونظر ، ولم يرض بالتقليد الصرف ، (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) ؛ من علم التحقيق (شَيْئاً) ، أو (مِنَ) الاعتقاد (الْحَقِّ شَيْئاً) من الإغناء. قال البيضاوي : وفيه دليل على أن تحصيل العلم فى الأصول واجب ، وأن الاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز. ه. وعدم الاكتفاء بالظن إنما هو فى الأصول ، وأما الفروع فالظن فيها كاف. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) ، هذا وعيد لهم على اتباعهم الظن ، وإعراضهم عن النظر والاستدلال ، وعلى عدم اتباعهم من يدلهم على الحق. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الناس على قسمين : أهل تصديق وإيمان ، وأهل شهود وعيان. فأهل التصديق والإيمان هم عامة أهل اليمين ، وهم أكثر المسلمين من العلماء والصالحين ، يستندون فى معرفتهم بالله إلى الدليل والبرهان ، فتارة يقوى عندهم الدليل فيترقّون عن اتباع الظن إلى الجزم والتصميم ، وتارة يضعف فيرجعون إلى اتباع الظن الراجح.
وأما أهل الشهود والعيان ، فقد غابت عنهم الأكوان فى شهود المكوّن ، فصاروا يستدلون بالله على وجود غيره ، فلا يجدونه ، حتى قال بعضهم : لو كلفت أن أرى غيره لم أستطع ، فإنه لا غير معه حتى أشهده ، محال أن تشهده وتشهد معه سواه. وقال شاعرهم :
مذ عرفت الإله لم أر غيرا |
|
وكذا الغير عندنا ممنوع |
مذ تجمّعت ما خشيت افتراقا |
|
فأنا اليوم واصل مجموع |