وقال آخر :
عجبت لمن يبغى عليك شهادة |
|
وأنت الّذى أشهدته كلّ شاهد |
وقال فى الحكم : «شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه ، المستدل به عرف الحق لأهله ، فأثبت الأمر من وجود أصله ، والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه ، وإلا .. فمتى غاب حتى يستدل عليه ، ومتى بعد حتى تكون الآثار هى التي توصل إليه!».
ولا مطمع لأحد فى التطهير من الظنون والأوهام إلا بصحبة شيخ كامل عارف بالله ، فيلقى إليه نفسه ، فلا يزال يسير به ، حتى يقول له : ها أنت وربك ، فحينئذ ترتفع عنه الشكوك والظنون والأوهام ، ويبلغ فى مشاهدة الحق إلى عين اليقين وحق اليقين. وأما قول الجنيد رضى الله عنه : (أدركت سبعين صديقا ، كلهم يعبدون الله على الظن والوهم ، حتى الشيخ أبا يزيد ، ولو أدرك صبيا من صبياننا لأسلم على يديه). فقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه : معنى كلامه : أنهم ظنوا وتوهموا أنهم بلغوا إلى مقام النهاية ، بحيث لا مقام فوق ذلك ، ولو أدرك أحدهم صبيا لنبههم على أن ما فاتهم أكثر مما أدركوا ولا نقادوا له. ه بالمعنى. والله تعالى أعلم.
ولما ذكر أن اتباع الظن غير كاف ، ذكر ما يجب اتباعه وهو القرآن ، فقال :
(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠))
قلت : «تصديق» : مصدر ، والعامل فيه «كان» محذوفة ، أو «أنزل» ، و «لا ريب» : خبر ثالث لها ، و «من رب العالمين» : خبر آخر ، أي : كائنا من رب العالمين ، أو متعلق بتصديق أو بتفصيل ، و «لا ريب» : اعتراض ، أو بالفعل المعلل بهما ـ وهو «نزل» ـ ويجوز أن يكون حالا من «الكتاب» ، أو من الضمير فى «فيه» ، و «أم» : منقطعة بمعنى بل مع الاستفهام الإنكارى ، و «كيف» خبر كان.
يقول الحق جل جلاله : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) أي : ما صح له أن يفترى من الخلق ، إذ لا قدرة له على ذلك ، (وَلكِنْ) كان (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب ، أو : ولكن أنزله تصديقا