فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨))
قلت : (يوم يأتى) : العامل فى الظرف : «لا تكلم» ، أو : اذكر ، مضمر. والضمير فى «يأتى» : يعود على اليوم. وقال الزمخشري : يعود على «الله» ؛ لعود الضمير عليه فى قوله : (إلا بإذنه) ، وضمير «منهم» على أهل الموقف المفهوم من قوله : (لا تكلم نفس).
يقول الحق جل جلاله : (يَوْمَ يَأْتِ) ذلك اليوم المشهود ، وهو : يوم الجزاء (لا تَكَلَّمُ) ؛ لا تتكلم (نَفْسٌ) بما ينفع وينجى فى جواب أو شفاعة (إِلَّا بِإِذْنِهِ) تعالى ، وهذا كقوله : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) (١) ، وهذا فى موقف ، وقوله : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٢) ، فى موقف آخر. والمأذون فيه هى الجوابات الحقية ، أو الشفاعات المرضية ، والممنوع منه هى الأعذار الباطلة.
ثم قسّم أهل الموقف ، فقال : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌ) وجبت له النار بمقتضى الوعيد ؛ لكفره وعصيانه. (وَ) منهم (سَعِيدٌ) وجبت له الجنة بمقتضى الوعد ؛ لإيمانه وطاعته. (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) ، الزفير : إخراج النفس ، والشهيق : رده. ويستعملان فى أول النهيق وآخره. أو الزفير : صوت المحزون ، والشهيق : صوت الباكي. أو الزفير من الحلق ، والشهيق من الصدر. والمراد بهما : الدلالة على شدة الكرب والغم ، وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه ، وانحصرت فيه روحه ، أو تشبيه حالهم بأصوات الحمير. قاله البيضاوي.
(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي : سموات النار وأرضها. وهى دائمة أبدا ، ويدل عليه قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (٣) ، أو يكون عبارة عن التأبيد : كقول العرب : ما لاح كوكب وما ناح الحمام ، وشبه ذلك بما يقصد به الدوام ، وهذا أصح.
وقوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) ، للناس هنا كلام واختلاف. وأحسن ما قيل فيه ؛ ما ذكره البقاعي ، قال : والذي ظهر لى ـ والله أعلم ـ أنه لما تكرر الجزم بالخلود فى الدارين ، وأن الشرك لا يغفر ، والإيمان موجب للجنة ، فكان
__________________
(١) من الآية : ٣٨ من سورة النبأ.
(٢) الآيتان : ٣٥ ـ ٣٦ من سورة المرسلات.
(٣) من الآية : ٤٨ من سورة ابراهيم.