والقهرية ، وهم أهل الكفر والعصيان. قال البيضاوي : وفيه دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة ، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد ، وأن ما أراد يجب وقوعه. ه.
(وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) ؛ بعضهم على الحق ، وهم أهل الرحمة والكرم ، وبعضهم على الباطل ، وهم أهل القهرية والانتقام. أو مختلفين فى الأديان والملل والمذاهب ، (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ؛ إلا ناسا هداهم الله من فضله ، فاتفقوا على ما هو أصل الدين والعمدة فيه ، كالتوحيد والإيمان بجميع الرسل وبما جاءوا به ، وهم المؤمنون.
وقوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ؛ إن كان الضمير للناس ، فالإشارة إلى الاختلاف ، واللام للعاقبة ، أي : ولتكون عاقبتهم الاختلاف خلقهم ، وإن كان الضمير يعود على «من» ، فالإشارة إلى الرحمة ، أي : إلا من رحم ربك وللرحمة خلقه. (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) الأزلية على ما سبق له الشقاء ، أي : نفذ قضاؤه ووعيده فى أهل الشقاء ، أو هى قوله للملائكة : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ؛ أي : من أهل العصيان منهما ، لا من جميعهما.
الإشارة : الاختلاف بين الناس حكم أزلى ، لا محيد عنه. وقد وقع بين أهل الحق وبين أهل الباطل. فقد اختلفت هذه الأمة فى الأصول والفروع. أما الأصول فأهل توحيد الدليل وقع بينهم تخالف فى صفات الحق ، كالمعتزلة والقدرية والجهمية والجبرية مع أهل السنة. وأما الفروع فالاختلاف بينهم شهير. فقد كان فى أول الإسلام اثنا عشر مذهبا. ولا تجد علما من علم الفروع إلا وبين أهله اختلاف ، إلا أهل التوحيد الخاص ، وهم : المحققون من الصوفية ، فكلهم متفقون فى الأذواق والوجدان ، وإن اختلفت طرقهم ، وكيفية سيرهم. فهم متفقون فى النهايات ، التي هى معرفة الشهود والعيان ، على طريق الذوق والوجدان ، وفى ذلك يقول ابن البنا ـ رحمهالله ـ :
مذاهب الناس على اختلاف |
|
ومذهب القوم على ائتلاف |
وأما قول من قال : [ما زالت الصوفية بخير ما اختلفوا ، فإذا اتفقوا فلا خير فيهم] ، فالمراد بالاختلاف : تغيير بعضهم على بعض ، عند ظهور نقص أو عيب أو ذنب. فإذا اتفقوا وسكت بعضهم عن بعض فلا خير فيهم. وقوله عليه الصلاة والسلام : «خلاف أمتى رحمة». المراد : الاختلاف فى الفروع كاختلاف المذاهب ؛ ففى ذلك رخصة لأهل الاضطرار ؛ لأن من قلد عالما لقى الله سالما. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر حكمة سرد قصص الأنبياء ، فقال :
قلت : «وكلّا» مفعول «نقص» ، و «ما نثبت به» : بدل ، أو «ما» مفعول «نقصّ» ، و «كلّا» : مصدر. أي : ونقص
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠))