عليك كلّا من الاقتصاص ما نثبت به فؤادك.
يقول الحق جل جلاله : وكل نبأ (نَقُصُّ عَلَيْكَ) من أخبار الرسل ، ونخبرك به (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) ، ليزيدك يقينا وطمأنينة وثباتا بما تسمع من أخبارهم ، وما جرى لهم مع قومهم ، وما لقوا من الأذى منهم ، فتتسلى بهم ، وتثبت على أداء الرسالة ، واحتمال أذى الكفار. (وَجاءَكَ فِي هذِهِ) السورة ، أو الأنباء المقتصة عليك ، (الْحَقُ) أي : ما هو حق ، (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) ، فيتحملون ، ويصبرون لما يواجههم من الأذى والإنكار.
الإشارة : ذكر أحوال الصالحين ، وسيرهم وكراماتهم ؛ جند من جنود القلب ، وذكر أشعارهم ومواجيدهم جند من جنود الروح ، وقد ورد : أن عند ذكرهم تنزل الرحمة ، أي : رحمة القلوب باليقين والطمأنينة. والله تعالى أعلم.
ثم أمره بتهديد من خالفه ، فقال :
(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))
يقول الحق جل جلاله : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) : حالكم (إِنَّا عامِلُونَ) على حالنا ، (وَانْتَظِرُوا) وقوع ما نزل بمن قبلكم ممن خالف رسوله ؛ فإنه نازل بكم ، (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ما وعدنا ربنا من النصر والعز.
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا يعلمه غيره ؛ فلا يعلم غيب العواقب ، ووقت وقوع المواعد إلا هو. (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) فيرجع لا محالة أمرهم وأمرك إليه ، (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) ؛ فإنه كافيك أمرهم وأمر غيرهم. وفى تقديم العبادة على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع التوكل العابد دون البطال. (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أنت وهم ، فيجازى كلّا ما يستحقه. أو عما يعمل الكافرون ، فيمهلهم ولا يهملهم.
الإشارة : (فاعبده وتوكل عليه) : يقول تعالى : يا عبدى ؛ قم بخدمتي أقم لك بقسمتي ، قف ببابي وانتسب لجنابى ؛ أكفك شئونك ، وتكن من أحبابى. أأدعوك لدارى ، وأمنعك من وجود إبرارى ، أأكلفك بخدمتي ، ولا أقوم لك بقسمتي ، فثق بي كفيلا ، واتخذني وكيلا ، أعطك عطاء جزيلا ، وأمنحك فخرا جليلا. قال القشيري : ويقال : إن التوكل : سكون القلب بضمان الربّ. ويقال : سكون الجأش فى طلب المعاش ، ويقال : الاكتفاء بوعده عند عدم نقده ، أو الاكتفاء بالوعد عند فقد النقد. وسيأتى تمامه فى سورة الفرقان ، إن شاء الله. وبالله التوفيق. وهو الهادي إلى سواء الطريق. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما.