لا يتجاسروا على الإفتاء بمقاومتهم ـ وكان قاضى أصبهان (عبد الله بن على الخطيبى) يلبس باستمرار درعا تحت ثيابه خشية من فتكهم به على غرة منه ، ومع ذلك فإنهم في عام ٥٠٢ ه تمكنوا من اغتيال ثلاثة كان هو من بينهم والثانى هو قاضى نيسابور : صاعد بن محمد بن عبد الرحمن (٤٤٨ ـ ٥٠٢ ه) والثالث الإمام الرويانيّ عبد الواحد بن إسماعيل الشافعى (٤١٥ ـ ٥٠٢ ه) وكان يلقب بفخر الإسلام ، وقد بلغ من تمكنه في المذهب أنه قال : «لو احترقت كتب الإمام الشافعى لأمليتها من حفظى» ولم يشفع له علمه ولا كبر سنه.
واشتد خطرهم واستفحل أمرهم في العراق وفارس وكرمان وقطعوا طريق القوافل ما بين كرمان والشمال والغرب ، وأرهبوا القرى ، وفرضوا على الأهالى المكوس فدفعوها لهم اتقاء لشرهم ودفعا لأذاهم. فمن عاداهم بات غير آمن منهم ، ومن سالمهم اتهمه الناس بالارتكاس في عقيدتهم وموالاتهم.
ولما وقف ملك كرمان (تيرانشاه بن تورانشاه السلجوقى) منهم موقفا سلبيا خشية بأسهم ، اتهمه الناس بالميل إليهم والدخول فيهم ، وثاروا عليه وخلعوه ، وولوا مكانه أرسلانشاه بن كرمانشاه ليخلصهم من شر الباطنية ـ ولكن هؤلاء كانوا قد تغلغلوا حتى أصبح السلطان لا يثق بخواصه ، واستغل ضعاف النفوس هذه المصيبة لينتقم بعضهم من بعض ويشى بعضهم ببعض (١).
واشتعلت الحرب بينهم وبين سلطان دولة السلاجقة الكبرى في العراق (ركن الدين بركيارق ٤٨٧ ـ ٤٩٨ ه) فلم يظفر منهم بطائل ، وقام من بعده أخوه السلطان محمد بن ملكشاه ففرغ نفسه للقضاء عليهم ، وسلك معهم طريقة الحوار وأرسل إليهم العلماء لمحاورتهم فما زادهم ذلك إلا رسوخا في عقيدتهم ، بل استغلوا الحوار كى يفضّوا الناس من حول السلطان باتهامه أنه يستحل محاربة قوم من المسلمين وهذا كفر صريح!! ولما رأى منهم السلطان هذا الإصرار هاجمهم في قلعتهم بأصبهان وهدمها وقضى على زعيمهم (أحمد بن عبد الملك بن عطاش) ، ثم يمم شطر الحسن بن الصباح وحاصره في قلعة [الموت] ولكن وفاة السلطان (سنة ٥١١ ه) حالت دون الاستيلاء عليها ، فعادت شوكة ابن الصباح إلى أقوى مما كانت عليه حتى توفى (سنة ٥١٨ ه) فكانت هذه الفرقة أشد على المسلمين من ألد خصومهم.
__________________
(١) لم ينج من الاتهام باعتناق تعاليم الباطنية خفية حتى كبار الأئمة المشهورين مثل الإمام الكيا الهراسى حتى وجد السلطان محمد نفسه مضطرا للقبض عليه خشية اتهامه بممالأته ، ولم يخلصه سوى شهادة الخليفة العباسى المستظهر الذى شهد بصحة عقيدة الكيا الهراسى وعلو درجته العلمية وبراءته مما نسب إليه وأرسل إلى السلطان بهذه الشهادة فأطلقه.
وطريقة تلفيق التهم للأبرياء من أخبث الوسائل التى تتبعها الشموليات الحديثة للتخلص من خصومهم.